الأسرار الإسكندرانية.. مخطوطة نادرة لـ«الشاذلي» ترسم ملامح المهدي "خاص"

في مدينة الإسكندرية، التي كانت عبر العصور ملتقى للحكمة والمعرفة الباطنية، ظهرت إلى النور واحدة من أندر المخطوطات الصوفية المنسوبة إلى العارف بالله سيدي أبي الحسن الشاذلي، وتحمل عنوانًا بالغ الرمزية: "الأسرار الإسكندرانية".
الأسرار الإسكندرانية.. مخطوطة نادرة لـ«الشاذلي» ترسم ملامح المهدي
المخطوطة المحفوظة في الخزانة التيمورية بدار الكتب المصرية (رقم 192 تصوف، الورقة 114ب وما بعدها)، تُقدّم تصورًا غير تقليدي عن "المعلم الأعظم"، الذي يُشير إليه الشاذلي بوصفه خاتم الوراثة النبوية، وشخصية تنتظرها البشرية، لا لتحكم أو تُقيم دولة، بل لتوقظ القلوب وتفتح أبوابًا من النور والمعرفة.
في نص بالغ الصوفية تقول المخطوطة: "هو شمس لا تعرف التمييز، تشرق على قلوب البشر جميعًا كما تشرق الشمس على ظاهرهم"، مؤكدة أنه لا يحمل سيفًا، ولا يدخل في نزاعات، بل يحمل علمًا يُجمع بين شريعة الأنبياء وحكمة الأولياء.
التصور الصوفي لشخصية المهدي
وفي تصريحه لـ "نيوز رووم"، قال الباحث الصوفي مصطفى زايد، إن هذه المخطوطة تمثل نقلة في التصور الصوفي لشخصية المهدي، موضحًا أن "الشاذلي لا يُلغي مفهوم المهدي، لكنه يحرّره من السياق السياسي والعسكري، ويُعيد تقديمه في ثوب المعلم الكوني، الذي يُخاطب الأرواح لا الجيوش، ويُحيي البصائر لا يرفع الرايات".
ويضيف زايد :الإشارة إلى الإسكندرية كموقع للتجلي ليست عبثًا، فهذه المدينة تمثل عند الصوفية موطن الحكمة القديمة، ومنبعًا لصيغة من التوحيد تقوم على الذوق والمعرفة الباطنية، وليس على الصراع أو الانقسام".
بعد كوني شامل
وقد ذُكر في الورقة 117ب من المخطوطة: "يهدي النصارى كما يهدي المسلمين، وقلوب الهندوس كما قلوب الفقهاء، ويُبصر البعيد كما يُبصر القريب"، ما يشير إلى بعد كوني شامل في رسالة هذا المعلم، يتجاوز الانتماءات والحدود.
كما أكد الشاذلي، بحسب المخطوطة، أن هذا المعلم سيُكذّبه بعض أهل الظاهر، لكنه سيكون منارة لأهل الباطن، إذ يقول: "سيُكذّبه من تعلّموا الكتب، ويؤمن به من أنار الله قلوبهم" (الورقة 120ب).
ولم ترد هذه الإشارات الصوفية بمعزل عن باقي التيار الروحي في الإسلام؛ فقد نقل ابن عطاء الله السكندري في "لطائف المنن" عن الشاذلي قوله: "رجل يظهر في أرض مصر، لا يُعرف بسيف ولا دولة، ولكن القلوب تنجذب إليه كما تنجذب الطيور إلى ضوء النهار".
أما الشيخ الأكبر ابن عربي فقد كتب في "الفتوحات المكية": "هو خاتم زمانه، لا على الخلافة يُقاتل، بل على المعرفة يُضيء"، مشيرًا إلى ظهور "آخر الأقطاب من جهة البحر"، في تأكيد آخر على الرمزية البحرية والإسكندرانية لهذه الشخصية.
وفي دلالة لافتة، تقول المخطوطة: "يُبعث من عند مجمع البحرين، حاملاً مفاتيح ما طُمس من صحف الأولين" (الورقة 121أ)، في إشارة محتملة إلى بعث روحي متجدد يربط بين الحكمة الإسلامية والحكمة الهرمسية القديمة.
ويختم الشاذلي مخطوطته بجملة منيرة وغامضة :إن أردته، فابحث عنه في مرآة قلبك؛ فإنك إن أحببته رأيته، وإن أنكرته حُجبت عنه."
ربما لم يُسمِّه الشاذلي، ولم يُحدِّد زمن ظهوره، لكنه قدّم رؤية متكاملة لمفهوم روحيٍّ للمخلِّص، لا يَعد الناس بملك أو نظام، بل بإيقاظ الحقيقة الغائبة في دواخلهم.