ما حكم الامتناع عن الزواج بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة؟

يتساءل الكثير في الوقت الحالي، عن حكم الامتناع عن الزواج بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث يعزف الكثير من الشباب عن الزواج خلال السنوات الأخيرة لهذا السبب.
ويرصد "نيوز رووم" للقراء والمتابعين، حكم الامتناع عن الزواج بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وهل يجوز ذلك للمرء في الشريعة الإسلامية، وهل الزواج واجب من الأساس، ومتى يكون واجبًا، وذلك من خلال التقرير التالي:-
ما هو الزواج في الإسلام؟
أولًا وقبل كل شيء، فعلينا أن نؤكد أن الزواج في الإسلام هو عقد شرعي يجمع بين رجل وامرأة على أساس المودة والرحمة، بهدف تكوين أسرة متماسكة، تحقيق السكينة، والإسهام في إعمار الأرض، ويُعد الزواج عبادة وسنة نبوية، وله دور كبير في بناء المجتمع الإسلامي القائم على القيم الأخلاقية والروابط الأسرية القوية.

والزواج بكل تأكيد، هو عقد شرعي تُبيح الشريعة الإسلامية بموجبه العلاقة بين الرجل والمرأة، وتنشأ من خلاله حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين.
والزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة اجتماعية، بل هو عبادة يُثاب عليها المسلم إذا التزم بتعاليم الله وأحسن إلى زوجته أو زوجها. قال النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بضع أحدكم صدقة.
أهداف الزواج في الإسلام
ولكي نعي صحة الامتناع عن الزواج للتعلل بالظروف الاقتصادية من عدمها، علينا أولًا أن نعرف ما هو المقصد من الزواج في الإسلام، والذي يأتي على رأسه العفة وصيانة النفس والبعد عن الوقوع في المحرمات، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
أهم أهداف ومقاصد الزواج
تحقيق السكينة والمودة والرحمة، حيث قال الله تعالى: ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.
حفظ النفس والعفة، فالزواج يحفظ الإنسان من الوقوع في المحرمات والفواحش، ويعينه على الالتزام بالطريق الصحيح. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"، فالزواج يساعد في ضبط الغرائز البشرية بطرق مشروعة.
إنجاب الذرية الصالحة، فالزواج وسيلة لإنجاب الأطفال وتكوين أسرة صالحة تربي الأبناء على الدين والقيم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.
وذلك بجانب أهداف أخرى كثيرة، أهمها بناء الأسرة وتشكيل التكافل الاجتماعي وتحقيق المسئولية وتحقيق التكامل بين الرجل والمرأة وحماية المجتمع من الانحرافات الأخلاقية، ونيل رضا الله وثوابه، وتحقيق الأمان والاستقرار المالي والاجتماعي.

والخلاصة، أن الزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة اجتماعية، بل هو وسيلة لتحقيق أهداف دينية، نفسية، وأخلاقية تسهم في بناء حياة متوازنة ومستقرة للفرد والمجتمع. من خلال الزواج، تتحقق السعادة الشخصية، ويحفظ المجتمع، ويُرضى الله عز وجل.
هل يجوز الامتناع عن الزواج بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة؟
وللإجابة على هذا السؤال، فدار الإفتاء قد تلقت سؤالا مشابهًا، والدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى قد أجاب عليه، وقال إن الزواج أصلا ليس واجبا، لكي يكون هناك حلال أو حرام حال التخلف عنه.
وأكد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الزواج لا يكون واجبا إلا إذا كان دافعا للإنسان عن الوقوع في المحرمات والأمور الفاحشة، خاصة وإن كان الشخص يملك مؤنته وقوته، أما إن كان الأمر غير ذلك فهو ليس حراما.
وتابع أمين الفتوى، أنه ينبغى على الإنسان بدلًا من ذلك أن يعمل، وأن يستغفر الله كثيرا لأن الاستغفار يزيد الرزق، والله يقول في كتابه العزيز: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا.
وطالب أمين الفتوى كل الشباب، بالدعاء من أجل الرزق والزوجة الصالحة، مؤكدا أن من يريد الزواج تحصينا لنفسه من الوقوع في الحرام، فهو من الثلاثة الذين حق على الله إعانتهم ومنهم الناكح الذي يريد العفاف.
ومما لا شك فيه أنه يجب التوازن في الأمر، حيث أن الإسلام حس على الزواج، بل وعلى التيسير فيه، حين قال وَأَنكِحُوا ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ، وهذا دليل على أن الفقر أو ضيق الحال لا ينبغي أن يمنع الناس من السعي للزواج.
ورغم ذلك فلا يجب أن ننسى أن الاستطاعة المادية شرط في الزواج لحديث النبي ثلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
هل يجوز امتناعي عن الزواج بسبب الظروف المادية الصعبة؟
ويُمكن التأكيد، على أنه في حال كان الشخص يُعاني من ظروف اقتصادية صعبة تمنعه من توفير حاجته الأساسية، فقد يكون التأجيل مبررا حتى تتحسن الأحوال، لكن يجب رغم ذلك التمييز بين الظروف الاقتصادية الحقيقية كالدين الكبير أو كعدم وجود مصدر دخل ثابت، وبين الخوف المبالغ فيه وهو الذي يمنع الشاب من الإقدام على الزواج رغم قدرته المبدئية، لأن الله هو من ييسر ويعاون المرء في النهاية.

ولا يجب أن ننسى أنه من الضروري أن يكون هناك تبسيط في الزواج، فالإسلام لا يشترط الإسراف في تكليف الزواج بين الشباب والبنات، وإنما يدعو إلى التيسير والتخفيف، كما يجب على الشباب دائمًا أن يستعين بالله ويتوكل عليه ويدعو لأن الدعاء يفتح أبواب الرزق والخير.
متى يكون الزواج واجبًا في الإسلام؟
الزواج في الإسلام تتغير أحكامه تبعًا لحالة الشخص وظروفه، يمكن أن يكون الزواج واجبًا في بعض الحالات بناءً على ما يترتب عليه من مسؤوليات وحاجة، ويصبح الزواج واجبًا شرعًا إذا تحقق ما يلي:
الخوف من الوقوع في الحرام
إذا كان الشخص يخشى على نفسه الوقوع في الزنا أو ارتكاب المعاصي بسبب شدة الشهوة وعدم القدرة على الصبر، يصبح الزواج واجبًا عليه، لقول الله تعالى: "وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ"، ولكن إذا كان الشخص لا يستطيع الاستعفاف بسبب شدة الشهوة، فالزواج واجب لحفظ النفس من الحرام.
وأيضًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
القدرة المادية والمعنوية
أيضًا، يكون الزواج واجبا، إذا كان الشخص لديه القدرة المالية والنفسية لتحمل مسؤوليات الزواج ولكنه يخشى الوقوع في المحرمات إذا لم يتزوج، يصبح الزواج حينئذ واجبًا.
كما يكون النكاح واجبًا، إذا كان الزواج يترتب عليه دفع مفسدة كبيرة أو تحقيق مصلحة واجبة (مثل إنجاب الأطفال أو حفظ النسل)، فحينها قد يصبح الزواج واجبًا.