لا يمكن فصل ما يجري حاليًا بين وسام أبو علي والنادي الأهلي عن محاولة متعمدة لتأزيم الموقف، واستثمار لحظة التألق الأخيرة في بطولة كأس العالم للأندية للوصول إلى مخرج غير لائق من العلاقة التعاقدية بين الطرفين. الأزمة لم تبدأ بتخلف اللاعب عن الفحوصات الطبية ولا باستبعاده من المعسكر الإعدادي، بل بدأت عندما فُتحت أبواب الطموحات الشخصية على حساب قيم الاحتراف، وضُرب بكل ما قدمه الأهلي عرض الحائط.
منذ انضمام وسام أبو علي للنادي الأهلي، تبدلت مكانته على كل المستويات. اللاعب الذي لم يكن ضمن خيارات منتخب فلسطين، وجد نفسه في صفوف المنتخب بعد فترة وجيزة من ارتدائه القميص الأحمر. الأهلي قدمه إلى الساحة العربية والدولية، وفتح له أبوابًا إعلامية وجماهيرية كانت بعيدة عنه قبل ذلك. ولا يمكن إنكار أن انضمامه لمنتخب بلاده جاء بعد تألقه مع الأهلي، وبعد أن وضعته مشاركاته في صفوف الفريق تحت الأضواء، محليًا وقاريًا.
والأمر لا يتوقف عند ذلك، بل إن اللاعب نفسه كان الأصدق في وصف هذه التجربة. في أكثر من مقابلة تلفزيونية، صرح وسام أبو علي بأن النادي الأهلي هو أعظم نادٍ لعب له، وأن جماهيره هي الأعظم في العالم. بل قال صراحة إن الانضمام إلى الأهلي أكبر من أي عرض مادي، وأفضل من أي أموال، وأكد ذلك بلغة الواثق في أكثر من لقاء إعلامي. هذا الكلام لا ينساه الجمهور، ولا يمكن أن يُمحى من السجل العام، لأن صدقه كان واضحًا وقتها.
فما الذي تغير الآن؟ لماذا ينقلب الموقف بهذه الطريقة؟ الأهلي لم يُقص اللاعب، لم يُهمله، لم يظلمه. بل منحه فرصة الظهور الحقيقي، وحماه فنيًا وإعلاميًا، وتحمّل فترات التذبذب في مستواه، ومنحه وقتًا وبيئة داعمة للنضوج والنجاح. وحين ظهرت العروض الخارجية، لم يرفض الأهلي مبدأ الرحيل، لكنه تمسك بحقه الطبيعي في الحصول على مقابل مادي يتناسب مع ما قدمه في تطوير هذا اللاعب، وهو حق أصيل لأي نادٍ محترف.
الأهلي لم يغلق الباب، بل فتحه بشروط عادلة. النادي لا يقف أمام طموحات أي لاعب، لكنه أيضًا لا يقبل أن يكون محل استغلال أو ابتزاز عاطفي أو إعلامي. وسام تغيّب عن الحضور إلى مقر النادي لإجراء الفحوصات الطبية، وعلى رأسها الكشف العام وأشعة الرنين المغناطيسي، وهي الإجراءات المعتمدة قبل السفر لمعسكر الإعداد الخارجي. ورغم الإخطار المسبق، تجاهل اللاعب الموعد المحدد، فكان من الطبيعي أن يصدر قرار فني باستبعاده من معسكر الفريق في تونس، نظرًا لعدم التزامه بالمتطلبات الطبية والبدنية الأساسية.
المثير في المشهد، أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم اختار أن يصدر بيانًا يتدخل فيه في أزمة لا تعنيه، ثم ما لبث أن حذف البيان بعد ساعات، في تصرف يثير علامات استفهام عديدة. هل بات من المقبول أن يُزج باتحادات المنتخبات الوطنية في أزمات عقود الأندية؟ وهل من المنطقي أن تتحول العلاقة بين لاعب ونادٍ إلى أزمة ذات بعد قومي أو سياسي؟ هذا التدخل لم يكن موفقًا، ولا منطقيًا، ولا يخدم اللاعب ولا صورته أمام الشارع الرياضي.
ولأن الحديث عن الأهلي لا يكتمل دون الحديث عن جماهيره، فإن جمهور الأهلي تحديدًا كان أول من احتضن وسام أبو علي. هذا الجمهور الذي هتف باسمه، ورفع صوره، واحتفل بأهدافه، وتغاضى عن إخفاقاته، هو ذاته الذي يشعر الآن بالخذلان. جمهور الأهلي ليس جمهورًا عاديًا، بل هو أحد مكونات النادي نفسه، ويمثل قوة معنوية لا تُقارن. ومنذ أن ارتدى وسام القميص الأحمر، نال حبًا وتقديرًا لا يُشترى، وحظي بثقة لا تُمنح بسهولة. ومثل هذا الجمهور لا يستحق أن يقابل التنكر، ولا أن يُخدع بمواقف متقلبة.
قد يرحل اللاعب، وقد تنتهي الأزمة بطرق قانونية أو تفاوضية، لكن المؤكد أن الصورة قد اهتزت. ليس فقط صورة العلاقة بين لاعب ونادٍ، بل صورة لاعب لم يحسن اختيار الطريقة التي يغادر بها. والمؤلم في الأمر، أن هذا يحدث مع نادٍ لم يبخل عليه بشيء.
الأهلي لا يعامل من ينتمي إليه كرقم في قائمة، بل كجزء من تاريخ ومنظومة. وإذا أخطأ أحدهم، فالأهلي لا يظلمه، لكنه في الوقت ذاته لا يسمح أن يُظلم. وفي النهاية، تبقى الحقيقة الواضحة التي لا تقبل الجدل: الأهلي نادٍ لا يُكافأ بالتجاوزات أو النكران، لأنه أكبر من أن يُعامل بهذه الطريقة.