منذ نكسة 1967، شهدت مصر توقفًا في مسار التنمية الذي كان قد بدأ بقوة في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث كانت البلاد تمضي بخطى سريعة نحو بناء دولة قوية ذات اقتصاد منتج وبنية تحتية واعدة. لكن النكسة شكّلت نقطة تحول فارقة، دفعت الدولة حينها إلى تسخير كافة مواردها لاستعادة الكرامة الوطنية، وهو ما تحقق في نصر أكتوبر المجيد عام 1973، ذلك الانتصار الذي أعاد للمصريين الثقة والشموخ.
ورغم عظمة النصر، ظل التحول الاقتصادي متعثّرًا لعقود، وبقيت مصر في حالة بحث دائم عن قيادة تُطلق طاقاتها الكامنة. حتى جاءت ثورة 30 يونيو 2013، تلك اللحظة الشعبية الفاصلة التي أعادت صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وأطلقت مشروعًا وطنيًا شاملًا بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي انتخبه الشعب بإرادته الحرة، ليقود مسيرة بناء لا يمكن حصر إنجازاتها في عجالة.
منذ تلك اللحظة، تفجّرت طاقات الدولة، وتحركت عجلة التنمية بسرعة مذهلة شملت مختلف القطاعات: البنية التحتية، الاقتصاد، الأمن القومي، والعدالة الاجتماعية. وكان من بين أعظم هذه الإنجازات إرساء دعائم تحول ديمقراطي حقيقي، تُوّج بإعادة تشكيل المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها مجلس الشيوخ.
جاءت تعديلات دستور 2019 لتعيد الحياة إلى مجلس الشيوخ، باعتباره الغرفة التشريعية الثانية، ضمن رؤية تستهدف تعزيز الشراكة الوطنية في التشريع وصناعة القرار.
وقد ميّز النظام الانتخابي المصري اعتماده على صيغة مزدوجة تجمع بين نظام القوائم المغلقة والنظام الفردي، بما يضمن التوازن بين التمثيل الحزبي والمؤسسي من جهة، وتمثيل الأفراد والمستقلين من جهة أخرى.
هذه الصيغة تُعد تجربة ملهمة وملائمة للواقع المصري، إذ تمنح القوى الوطنية والمجتمعية فرصة للتمثيل، وتُعزز التعددية وتنوع الصوت داخل المجالس النيابية.
تميّزت الانتخابات بإشراف قضائي كامل في جميع مراحلها، بدءًا من قبول الترشحات، مرورًا بعملية الاقتراع، وحتى إعلان النتائج. هذا الإشراف عزّز من ثقة الناخبين والمرشحين والأحزاب، ورسّخ قناعة لدى الجميع بأن العملية الديمقراطية في مصر تسير على أسس من الشفافية والنزاهة.
خلال السنوات العشر الماضية، حققت مصر تحولات اقتصادية وتنموية مذهلة. فقد أُنشئت مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، وتم تحديث وتوسعة شبكات الطرق والكباري والأنفاق، إلى جانب بناء محطات كهرباء ضخمة، وتنفيذ مشاريع صحية وتعليمية وخدمية عملاقة.
ومن أبرز المبادرات الرائدة، جاءت مبادرة "حياة كريمة"، والتي تمثل أكبر مشروع تنموي في تاريخ مصر الحديث، ويستهدف تحسين حياة أكثر من 60 مليون مواطن في الريف والمراكز والقرى، من خلال توفير الخدمات الأساسية، وفرص العمل، وتطوير البنية الصحية والتعليمية والاجتماعية.
وفي قطاع التعليم، تم إطلاق خطة إصلاح شاملة تستهدف تحديث المناهج، وتطوير البنية التحتية للمدارس، وإنشاء جامعات أهلية ودولية، والتوسع في الرقمنة والتعليم الذكي، بما يُواكب متطلبات سوق العمل المحلي والعالمي، ويؤسس لجيل أكثر وعيًا وتأهيلًا.
أما في المجال الزراعي، فقد دشنت الدولة مشروع "الدلتا الجديدة"، كواحد من أكبر المشروعات القومية لاستصلاح الأراضي الزراعية، وهو ما يعزز الأمن الغذائي، ويخلق ملايين فرص العمل، ويمهد لبناء مجتمع زراعي وصناعي متكامل غرب الدلتا.
كل هذه الإنجازات لم تكن معزولة عن الإرادة السياسية الواعية، بل جاءت كامتداد طبيعي لمشروع وطني تبنّاه الشعب، وأداره رئيس جعل من بناء الدولة الحديثة هدفًا لا يقبل التراخي أو التأجيل.
تُجسد الانتخابات المصرية لمجلس الشيوخ خلاصة مسيرة شعب لا يلين، ودولة لا تعرف التراجع.
فمن النكسة، إلى النصر، إلى التحديات، ثم إلى ثورة 30 يونيو، وصولًا إلى بناء ديمقراطي واقتصادي شامل...
تلك هي مصر العظيمة، التي عادت لتأخذ مكانها اللائق بين الأمم، بقيادة وطنية، وشعب واعٍ، ودستور يعكس تطلعات الجميع.
وستظل مصر عظيمة إلى الأبد، بعزيمة أبنائها، وبقيادة حكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أثبت في كل محطة من محطات الوطن أنه قائد بحجم الحلم، ورمز للأمل، وحارس لأمن واستقرار الدولة المصرية.