مواجهة تحديات عمال التراحيل ضرورة اقتصادية

يمثل عمال التراحيل، أو العمالة اليومية غير المنتظمة، شريحة واسعة ومهمشة في نسيج المجتمع المصري، تواجه تحديات جمة تتجاوز مجرد البحث عن فرصة عمل يومية فمنذ عقود، يعيش هؤلاء العمال على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية، يصارعون الفقر، وانعدام الأمان الوظيفي، وغياب الحماية الاجتماعية، في ظل ظروف عمل قاسية غالبًا ما تفتقر لأبسط معايير السلامة والصحة المهنية.
من هم عمال التراحيل؟
عمال التراحيل هم تلك الفئة من العمال التي لا تربطها عقود عمل دائمة بأي جهة، ويعتمدون على البحث عن عمل يومي أو موسمي في مجالات مختلفة، أبرزها الزراعة وهي الشريحة الأكبر، حيث يتنقلون بين الحقول لجمع المحاصيل، أو القيام بأعمال الحراثة والري والبناء يعملون في مواقع الإنشاءات كعمال يومية، سواء في حمل المواد أو أعمال التجهيز والخدمات قد يعملون في تحميل وتفريغ البضائع، أو أعمال النظافة المؤقتة.
تتميز حياتهم بعدم الاستقرار، حيث لا يوجد دخل ثابت، ولا توجد ضمانات اجتماعية أو صحية، مما يجعلهم الأكثر عرضة للصدمات الاقتصادية والاجتماعية.
تحديات متجذرة:
فالعامل لا يضمن وجود عمل في اليوم التالي، والدخل يعتمد على الفرص المتاحة، مما يجعل التخطيط للحياة اليومية أو المستقبلية أمرًا مستحيلًاغالبًا ما يكون دخلهم أقل من الحد الأدنى للأجور، ولا توجد زيادة أو حوافز.
لا يتمتع عمال التراحيل بأي مظلة تأمينية، سواء كانت تأمينًا صحيًا يغطى تكاليف العلاج، أو تأمينًا اجتماعيًا يضمن لهم معاشًا في الشيخوخة أو تعويضًا في حالات الإصابة أو العجزهذا يجعلهم وعائلاتهم عرضة للفقر المدقع في حال المرض أو عدم القدرة على العمل.
كثيرًا ما يعمل هؤلاء العمال في ظروف بيئية صعبة، تحت أشعة الشمس الحارقة أو في مواقع بناء خطرة، دون توفير معدات السلامة اللازمة (مثل الخوذات، الأحذية الواقية، القفازات). هذا يعرضهم لإصابات العمل المتكررة، التي قد تؤدي إلى إعاقات دائمة، دون أي تعويض أو رعاية طبية.
بسبب طبيعة عملهم غير المنتظمة وتفرقهم الجغرافي، يفتقر عمال التراحيل إلى الوعي بحقوقهم العمالية، كما أنهم غالبًا ما يكونون خارج مظلة التنظيمات النقابية التي يمكن أن تدافع عن مصالحهم وتحسن من أوضاعهم.
يعتمد الكثيرون من يوفر لهم فرص العمل اليومية، وقد يؤدي ذلك إلى استغلالهم، حيث يتم اقتطاع جزء من أجورهم، أو إجبارهم على العمل لساعات أطول بأجر أقل ويؤثر الفقر وعدم الاستقرار على قدرة عائلات عمال التراحيل على توفير تعليم جيد لأبنائهم، مما يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر وتوريث المهنة للأجيال القادمة، ويحد من فرصهم في الحصول على وظائف أفضل.
جهود حكومية وتحديات التنفيذ
لقد بذلت الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة العمل والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، جهودًا لمد مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة غير المنتظمة وتم إطلاق مبادرات لتسجيلهم في التأمين الصحي الشامل، وصرف منح استثنائية لهم في بعض الأحيان ومع ذلك، تبقى تحديات التنفيذ كبيرة بسبب ضخامة أعدادهم، وصعوبة الوصول إليهم، وتنوع قطاعات عملهم، فضلاً عن الحاجة إلى تغيير ثقافي وسلوكي لدى بعض أصحاب الأعمال لدمجهم في المنظومة الرسمية.
يتطلب تحسين أوضاع عمال التراحيل استراتيجية شاملة تتضمن تبسيط إجراءات تسجيلهم في قواعد بيانات الحكومة لضمان وصول الدعم والخدمات لهم وفرض رقابة صارمة على ظروف العمل لضمان تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية وتوفير برامج تدريب مهني ترفع من مهاراتهم وتمكنهم من الحصول على فرص عمل أكثر استقرارًا وتقديم حوافز للشركات لتوظيف العمالة غير المنتظمة بعقود رسمية وتنظيم حملات توعية مكثفة لتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم.
إن معالجة تحديات عمال التراحيل ليست مجرد مسؤولية اجتماعية، بل هي ضرورة اقتصادية لدعم الاستقرار وتقليل الفقر، وضمان أن التنمية الشاملة تصل إلى كل فئات المجتمع فكرامة العامل هي أساس تقدم الأوطان.