هل يجوز طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة؟.. الإفتاء توضح

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية. "ما حكم طاعة الوالدين إذا أمراني بتطليق زوجتي؟ علمًا بأن زوجتي امرأة صالحة، وبيننا مودة ورحمة، ولا يوجد سبب شرعي للطلاق، ونحن نعيش حياة مستقرة وسعيدة. فهل يجب علي أن أطيع والديَّ وأطلّقها؟ وهل يُعد رفضي لذلك نوعًا من العقوق أو عدم البر بهما؟ وأجابت الدار ليس من البر أن يطيع الابن والديه في تطليق زوجته وهدم أسرته، ما لم يكن هناك سبب شرعي واضح يقتضي ذلك. ولا يُعد رفضه لذلك عقوقًا أو إثمًا، بل عليه أن يتعامل مع والديه بلطف ورفق، وأن يسلك معهم طريق الحكمة والمراوغة الطيبة، بما يحفظ مصلحة بيته وأسرته دون أن يُثير سخطهما أو يُغضبهما.
حرية الإنسان في الشريعة الإسلامية وأثرها على قراراته الشخصية
جاءت الشريعة الإسلامية لتكفل للإنسان كرامته واستقلال إرادته، وراعت في تشريعاتها الفطر التي فُطر عليها، فقررت له حرية الاختيار في شؤون حياته ما لم يترتب على هذا الاختيار ضرر أو مفسدة. ومن أبرز المجالات التي تُرك فيها للإنسان حرية القرار: الزواج، وما يتفرع عنه من استمرارية العلاقة الزوجية أو إنهائها، باعتبار ذلك من الحقوق الشخصية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصلحة الخاصة، ولا يصح أن تُفرض أو تُلغى بالإكراه أو الإجبار.
فالشريعة لم تُعطِ الولي – ولو كان أحد الأبوين – حقًّا في تزويج من تحت ولايته دون رضاه، إذا كان بالغًا عاقلًا، سواء كان ذكرًا أو أنثى. ولهذا قرر الفقهاء أنه لا يجوز للأب أن يُجبر ابنه أو ابنته على الزواج ممن لا يريد.
وقد عبّر ابن تيمية عن هذا المعنى في “مجموع الفتاوى” بقوله: «ليس لأحد الأبوين أن يُلزم الولد بنكاح من لا يريد، وإن امتنع لا يكون عاقًّا».
حدود الطاعة للوالدين
في الوقت نفسه، بيّنت الشريعة أن للوالدين مكانة عظيمة، وأن طاعتهما من البر، لكنها مشروطة بألا تؤدي إلى ضرر واقع على الولد أو إهدار لمصلحته. فإذا تعارض أمر الوالدين مع مصلحة ضرورية للابن أو البنت، كحقّ الزواج أو العمل أو السكن، فهنا يكون الامتناع عن الطاعة جائزًا شرعًا، بل واجبًا في بعض الأحيان، مع الحفاظ على الاحترام والرفق في المعاملة.
وقد ذكر ابن مفلح في “الآداب الشرعية” أن طاعة الوالدين تجب فيما ينفعهما ولا يضر الولد، أما إذا ترتب على الطاعة ضرر على الابن، فإنها لا تكون واجبة.
الطلاق وأمر الوالدين به
من المسائل التي يُثار فيها التساؤل: هل يجب على الابن أن يُطلِّق زوجته إذا أمره أحد والديه بذلك؟ والجواب الذي استقر عليه رأي جمهور الفقهاء: لا، لا يجب عليه الطلاق في هذه الحالة، لأن الطلاق في أصله مكروه ولا يُلجأ إليه إلا عند تعذر استمرار الحياة الزوجية.
فقد قرر المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم أن أمر الوالدين بطلاق الزوجة لا يُلزم الابن بذلك، خاصة إذا لم يكن هناك مسوغ شرعي معتبر للطلاق.
وقد أورد الإمام القرافي في “الفروق”: «لو أمره أبوه بطلاق زوجته فلم يمتثل، لا إثم عليه». كما صرح النفراوي المالكي بأن الطاعة لا تجب في أمر لا يلحق الولد ضرر بتركه.
التعامل مع الآثار الواردة في طاعة الوالدين في أمر الطلاق
قد تُفهم بعض الروايات النبوية على أن طاعة الوالدين في هذا الأمر واجبة، مثل حديث عبد الله بن عمر حين أمره النبي ﷺ بطلاق زوجته تلبيةً لأمر والده عمر. لكن جمهور العلماء اعتبروا هذه الواقعة خاصة، وليست قاعدة عامة، لما اختص به عمر بن الخطاب من رجاحة رأي وموافقة للوحي.
الإمام أحمد بن حنبل، عندما سُئل عن رجل أمره أبوه بطلاق زوجته، قال له: «لا تطلقها». فلما احتج عليه السائل بواقعة عبد الله بن عمر، أجابه: «حتى يكون أبوك مثل عمر».
كما أشار الطحاوي إلى أن ما ورد في الطاعة المطلقة للوالدين في أمر الطلاق يُفهم في سياق وجود مصلحة شرعية حقيقية تقتضي التفريق، لا بمجرد الهوى أو النفور الشخصي.
الأصل في العلاقة بين الآباء والأبناء
الشريعة تؤكد أن العلاقة بين الأبناء والآباء يجب أن تبنى على المحبة والتفاهم، لا على الإكراه أو التهديد. فكما أن على الأبناء بر الوالدين، فإن على الوالدين أيضًا مراعاة مصلحة أبنائهم وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به. ومن هذا المنطلق، لا يجوز إجبار الابن على تطليق زوجته لمجرد رغبة أحد الوالدين، بل الأصل نصح الابن بالحفاظ على بيته، وبذل الجهد لإصلاح ما فسد من العلاقة، امتثالًا لقوله ﷺ: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
كما أن الشيطان يفرح حين ينجح في التفريق بين الزوجين، كما ورد في “صحيح مسلم”، ما يدل على أن الطلاق ليس من الأمور المحببة شرعًا إلا عند الحاجة القصوى