انتخابات بلا تيار.. الإسلام السياسي يتراجع في ماراثون الشيوخ

منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، كانت التيارات ذات المرجعية الدينية تتصدر المشهد السياسي في مصر، خاصة بعد ثورة يناير 2011، حين شكل فوز جماعة الإخوان الإرهابية في الانتخابات التشريعية والرئاسية لحظة فارقة في صعود الإسلام السياسي إلى قمة السلطة، غير أن هذا الصعود لم يدم طويلًا، إذ أعقبته حالة من الانكفاء الحاد بعد الإطاحة بحكم الجماعة في عام 2013، وتقلص حضورها في الحياة السياسية تدريجيًا.
وفي السنوات التالية، بدت التيارات الأخرى المحسوبة على الإسلام السياسي في حالة دفاع مستمر، أبرزها حزب النور السلفي، الذي حاول الحفاظ على موطئ قدم في الساحة السياسية المصرية، دون الدخول في مواجهات مفتوحة، ولكن دون تأثير جماهيري حقيقي أيضًا.
انتخابات الشيوخ تكشف حجم التراجع
أحدث مؤشر على هذا التراجع تمثل في الاستبعاد الجماعي الذي طال مرشحي حزب النور في انتخابات مجلس الشيوخ 2025، فوفقا للكشوف المبدئية، تم استبعاد 7 من أصل 15 مرشحا دفع بهم الحزب، أي ما يقارب 50% من قوائمه، لأسباب قانونية تتعلق بعدم استيفاء الشروط الدستورية، أبرزها عدم تقديم مستندات رسمية تفيد أداء الخدمة العسكرية أو الحصول على إعفاء نهائي.
وكان من بين المستبعدين نائب رئيس الحزب، السيد مصطفى خليفة، أحد أبرز وجوه الحزب، بالإضافة إلى مرشحين في دوائر حيوية مثل الإسكندرية، الدقهلية، القاهرة، ومطروح، وهو ما شكل ضربة تنظيمية مؤثرة للحزب السلفي الذي كان يعول على هذه الانتخابات لإثبات وجوده، فضلا عن عدم اختياره في القائمة الوطنية من أجل مصر.
في هذا السياق، جاء بيان المرشح المستبعد صابر رفاد، والذي أكد فيه أن الترشح تم بتكليف حزبي، وأن اللجنة القانونية ستطعن على قرار الاستبعاد، لكنه حرص على التهدئة، داعيًا إلى الصبر والالتزام بالقيم السياسية للحزب، وهي لهجة تعكس رغبة في احتواء الإحباط الداخلي أكثر من التعبئة الشعبية.
القاعدة الشعبية.. أين اختفت؟
تبدو المسألة أبعد من مجرد عقبات إدارية أو طعون قانونية، فالمتابع لتطورات السنوات الأخيرة يدرك أن حزب النور، وغيره من التيارات المماثلة، فقد الكثير من زخمه الشعبي الذي ظهر بعد 2011، كما أن حضور الحزب في الشارع لم يعد ملموسا بالشكل الذي كان يُعول عليه، وهو ما ظهر جليا في غياب أي حراك واسع أو تضامن شعبي بعد استبعاد مرشحيه.
ومن اللافت أن حزب النور لم يشارك من الأساس في القائمة الوطنية الموحدة لخوض الانتخابات، ما يؤكد ابتعاده النسبي عن التكتلات الكبرى.
مشهد سياسي جديد
ما جرى في انتخابات مجلس الشيوخ يمكن اعتباره جزءا من تحولات أعمق يشهدها المشهد السياسي المصري، حيث تراجعت الأيديولوجيا أمام أدوات الدولة الحديثة، وباتت الكفاءة التنظيمية والقدرة على التواصل مع الناس ومخاطبة أولوياتهم المعيشية، هي ما يحدد الوزن السياسي الحقيقي لأي حزب.
كما أن فشل تجربة حكم الإخوان ساهم ولو ضمنيا في إعادة تشكيل الوعي العام تجاه الإسلام السياسي، لا سيما مع بروز تحديات اقتصادية وتنموية واجتماعية جديدة، جعلت من الشعارات القديمة عاجزة عن استيعاب الواقع أو تقديم حلول مقنعة.