عاجل

تشكلت علاقتي بالقضية الفلسطينية مبكرًا نسبيًا، بالتوازي مع تشكل فكرة الوطن والحق والعدل في عقلي ووجداني، وفي نهاية المرحلة الثانوية، حضرت العديد من الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، حينما كنت واحدًا من مجموعة شباب تتبلور عقولهم ومعارفهم في مركز الجيل للدراسات الشبابية الذي أسسه القيادي الطلابي الكبير الراحل الدكتور أحمد عبدالله رزه، وقد استمر الأمر بعد انضمامي لحزب الوفد مطلع الألفية، وتزامن هذا مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2000 – 2005، مما عزز معارف جيلي بل وأجيال أخرى بالقضية الفلسطينية.

 

وقد كان موقفي، ولا يزال في مناصرة القضية الفلسطينية، قائما على أمرين أساسيين، الأمر الأول هو عدالة القضية، وحق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في تمسكهم بأرضهم، وإقامة دولتهم المستقلة، وكذلك مشروعية المقاومة ما دام الاحتلال قائما.

أما الأمر الثاني، فهو براجماتي بحت، فنجاح الاحتلال في القضاء على المقاومة، وإنهاء مشروع الدولة الفلسطينية، يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، كما يعني بلا شك فتح شهيته على ملفات تالية، والبدء في إعادة رسم ما وصفه رئيس وزراء الاحتلال بـ "الشرق الأوسط الجديد" وبالطبع ستكون إسرائيل هي مهندس هذا التغيير ومحركه والفاعل الرئيسي فيه، بما يحمله هذا من أفكار توسعيه للاحتلال.

 

ولا أنكر شعوري خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل، بأن الملف الفلسطيني سقط عمدا من أجندة أولويات السياسة المصرية والعربية الرسمية، وبات التفاعل معه قاصرا على بيانات الشجب والإدانة، دون فعل حقيقي. بيد أن هذا الشعور تغير إلى النقيض تماما مع الموقف المصري الحاسم منذ بدء حرب الإبادة الأخيرة ضد سكان قطاع غزة، وتصدر مصر الجهود والمساعي لوقف الحرب، وإنفاذ المساعدات، ثم الرفض القاطع لمقترح التهجير.

وما عزز من قوة الموقف المصري الرسمي أنه جاء مستندًا إلى دعم واضح سواء على المستوى الشعبي، أو على مستوى النخبة المصرية.

 

وقد زاد اطمئناني ما لمسته من فهم عميق للنخبة المصرية خلال نقاش مثمر، على هامش حفل الإفطار السنوي للرمز الوطني الكبير منير فخري عبد النور، مساء السبت، لكل جوانب القضية، وعلاقة مصر بها، وعلاقتها بمحددات الأمن القومي المصري، فضلًا عن الانتباه التام لمخططات الاحتلال وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للقضاء على الحقوق الفلسطينية إلى الأبد.

النقاش الذي ضم خيرة العقول المصرية من سياسيين ودبلوماسيين وتنفيذيين واقتصاديين وإعلاميين، تطرق إلى سياسات ترامب، وما يعرف بـ"الظاهرة الترامبية" وهل هي قائمة على أيديولوجيا فكرية، أم أنها مجرد حسابات مصالح اقتصادية، ومكسب وخسارة مادية لصالح أمريكا، بعيدًا عن أي قواعد سياسية أو نظم دولية.

 

أبرز مخرجات النقاش

وكان من مخرجات النقاش عدة أمور أبرزها:

- تعبير وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي، خلال الكلمة الرئيسية، عن ارتياحه لقرارات القمة العربية الأخيرة من ملف التهجير والقضية الفلسطينية عموما، وإن كان له عليها بعض الملاحظات، أهمها أنها جاءت متأخرة.

- أشاد الحضور بالموقف المصري وصلابته، مع التأكيد على أن مصر ستتعرض لموجة من الضغوط المختلفة خلال المرحلة المقبلة، ولكن يمكن تحملها بمزيد من الحكمة والصبر.

- قال الوزير نبيل فهمي إن ترامب لا يهتم إلا بالأطراف الفاعلة وذات التأثير، ويفضل التعامل المباشر مع الفاعلين بعيدا عن العمل الجماعي أو الأممي، مشيرا إلى نهاية نظرية أن تظل الولايات المتحدة ضامنة للأمن الدولي.

 

- يرى السيد عمرو موسى أن التحرك العربي في المرحلة المقبلة لمواجهة مخطط ترامب، يجب أن يكون عبر مجموعة صغيرة من الدول العربية بينهم مصر والسعودية، بإعتبارهما مناط القوة في العمل العربي، للتحرك الدولي والتفاوض مع إدارة ترامب شريطة أن يكونوا مفوضين من مجموع الدول العربية.

- ترامب أحاط نفسه بمجموعة عمل من الأكثر تطرفا في الولايات المتحدة، والأكثر انحيازا لإسرائيل، وترامب ومعه مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، هما الأقل تطرفا بين كل الإدارة الأمريكية الحالية، ويمكن العمل معهما.

- عدم ارتياح لغياب عدد من القادة العرب خاصة دول الخليج عن القمة العربية الأخيرة، وخشية أن يكون هذا بداية لغياب موقف عربي مساند للقضية وللدور المصري.

تم نسخ الرابط