سألني الكثيرون: الى أين نتجه نحو العلاج الأمثل للسكر من النوع الأول في المستقبل القريب؟ وهل هناك أمل لهذه الحلول في مصر؟ ولكي نعرف ذلك، يجب أن ندرك أن هناك تسابقًا محمومًا بين الحل البيولوجي بالخلايا الجذعية والحل التكنولوجي من خلال البنكرياس الصناعي.
بالتأكيد، العلاج البيولوجي بزراعة خلايا البنكرياس المخلّقة من الخلايا الجذعية هو الحل الأمثل في المستقبل، ولقد أصبحنا -والحمد لله- قاب قوسين أو أدنى من الوصول إليه بعد نجاح التجارب الأولية على عدد من المرضى، وتوقعاتي أن يكون متاحًا في الولايات المتحدة سنة 2028، ولكنه سيكون مكلفًا جدًّا في البداية. وليس من المستحيل أن يأتي إلى مصر خلال عدة سنوات بعدها، وسأسعى شخصيًّا بكل جهدي إلى ذلك الأمل.
أما الحل الإلكتروني من خلال البنكرياس الصناعي (كما هو موضح في الصورة من هيئة الخدمة الصحية الوطنية بانجلترا NHS)، فهو منظومة متكاملة من جهاز قياس السكر المستمر متصل مع مضخة للأنسولين وبرنامج يحتوي على معادلات حسابية معقدة لحقن الأنسولين المتواصل حسب قراءة السكر. وقد تطور في السنوات الأخيرة تطورًا مذهلًا بعد ظهور أجهزة تلصق مباشرة على الذراع دون الحاجة إلى وجود أنبوب لتوصيل الإنسولين إلى إبرة مزروعة تحت الجلد، وهو ما كان يعوق استخدامها للأطفال في سن صغيرة، فلو انتزع الأنبوب نتيجة لحركة الطفل قد يؤدي ذلك إلى عدم دخول الأنسولين إلى الجسم، وربما يحدث تسمم كيتوني.
والشركات التي تنتج هذا النوع من البنكرياس الصناعي الذي يلصق مباشرة على الجلد هي شركة insulet الأمريكية، وجهازها يسمى Omnipod 5، وهو حاليًا أكثر أجهزة البنكرياس الصناعي مبيعًا في أمريكا، وشركة Microtech الصينية، وجهازها يسمى Equil، وهو موجود في العديد من الدول الأوروبية مثل انجلترا وايطاليا وهولندا وبعض الدول العربية، وهو أحد الأجهزة التي ننوي بإذن الله استخدامها لأطفال السكر بمستشفى الناس الخيري.
وحاليًا، تلهث الشركات الأمريكية الأخرى لإنتاج أجهزتها بدون أنبوب، أو بأنبوب قصير جدًّا ليلائم الأطفال والأشخاص الكثيري الحركة، والرياضيين من الكبار، وأولى الشركات التي طوّرت نفسها هي شركة Tandem الأمريكيه بجهازها الجديد Mobi، ذي الأنبوب القصير، وشركة Sequel الأمريكيه بجهازها الحديث Twist.
والمستقبل الآن يتجه نحو عدم الحاجة إلى عد النشويات مع البنكرياس الصناعي، وكانت الشركة الأولى في ذلك هي شركة Beta Bionic الأمريكية، مع جهازها iLet، فلا يحتاج الأمر إلى سوى إخبار الجهاز إن كانت الوجبة صغيرة، أو عادية، أو كبيرة، ولكن الجهاز ما زال يستخدم أنبوبًا لضخ الأنسولين مثل معظم الأجهزة الأخرى، وهو حاليًا غير متوافر في مصر. وأعتقد شخصيًّا أن كل الأجهزة الأخرى سيمكنها إضافة هذه الخاصية البسيطة بسهولة لأجهزتها.
كذلك تتجه الشركات إلى تطوير أجهزة قياس السكر بطريقة مستمرة CGM لزيادة دقتها في قياس السكر، وحتى الآن أكثر الأجهزة دقة في السوق الأمريكية هما Dexcom G7، وFreestyle Libre 3، وكلاهما غير موجود بمصر، ويشابهما -إلى حد كبير- جهاز Linx الصيني، وهو ما نستخدمه حاليًا بنجاح لأطفال السكر بمستشفى الناس، ومن الأخطاء الشائعة عند غير المتخصصين أن اجهزة قياس السكر العادية أو المستمرة تصلح لسن دون الآخر! وكل أملي -وما أسعى إليه- هو دخول كل هذه الأجهزة الأخرى إلى السوق المصرية. لتنهض مصر وتصل إلى مصاف الدول المتقدمة في الخدمة الصحية للأطفال المرضى بالسكر.
لقد أصبح المستقبل مبشرًا بالخير، خاصة للأطفال الذين يعانون من مرض السكر من النوع الأول، والذين ما زالوا يشكّون جلدهم الرقيق من 3 إلى 5 آلاف مرة في السنة، ومع ذلك يعانون اضطراب مستوى السكر في الدم؛ مما يعرضهم للخطر، فأتمنى من كل قلبي ألا يحبطكم أحد. لقد تعاهدنا أنا وفريق العمل الرائع معي في مستشفى الناس الخيري أن نساعد هؤلاء الأطفال بالمجان، ونقدم لهم آخر ما توصل إليه العلم في الخارج، وبالطبع تبرعكم لهذا المشروع الخيري الكبير سيمكننا من تحقيق أحلامنا معا.