من الراديو إلى الإنترنت.. كيف تطورت رحلة إعلان نتيجة الثانوية العامة في مصر؟

منذ أكثر من خمسين عامًا، كانت لحظة إعلان نتيجة الثانوية العامة بمثابة حدث قومي، لا يقل إثارة عن نتائج المباريات النهائية في كرة القدم. تطورت الوسيلة، وتغيرت الأصوات، لكن المشاعر بقيت كما هي: ترقب، خوف، دموع فرح وأخرى من الحزن. وبين الراديو القديم وشاشات الهواتف الذكية، هناك حكاية إعلامية واجتماعية طويلة تروي كيف تغيّر المشهد من السبعينات وحتى اليوم.
زمن الراديو.. "هنا القاهرة تعلن الأوائل"
وذكرت مصادر بوزارة التربية والتعليم فى تصريحات خاصة لـ "نيوز رووم " أنه في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، كان إعلان نتيجة الثانوية العامة يتم عبر الإذاعة المصرية الرسمية ، وكان ملايين المصريين يجتمعون حول جهاز الراديو، في البيوت والمقاهي، ينتظرون اللحظة التي يطل فيها المذيع بصوته الوقور ليعلن: "تعلن وزارة التربية والتعليم أسماء أوائل الثانوية العامة لعام...".
وكانت الأسماء تُتلى على الهواء مباشرة، وغالبًا ما يُجرى بعدها اتصال بالأوائل للحديث عن طموحاتهم وخططهم المستقبلية، في مشهد يخلّدهم في ذاكرة الوطن. وكانت الصحف الورقية في اليوم التالي تتسابق لنشر صورهم وسيرهم الذاتية، بل وتتنافس المؤسسات لتكريمهم.
في هذا الزمن، لم يكن هناك وسيلة للوصول إلى النتيجة سوى المدارس أو انتظار الصحف الرسمية في اليوم التالي، أو الاتصال الهاتفي بالمديرية التعليمية، والذي كان غالبًا ما ينقطع بسبب الزحام على الخطوط.
دخول الصحافة الورقية في المعركة
مع بداية التسعينات وحتى أوائل الألفية، بدأت الصحف القومية والخاصة تدخل بقوة في مشهد إعلان النتيجة. وظهرت عناوين مثل: "اعرف نتيجتك أولاً مع .. "، و" .. تنشر النتيجة الكاملة". وكانت الصحف تطبع ملحقًا خاصًا يحتوي على أرقام الجلوس والدرجات، وهو ما كان يحقق نسب توزيع قياسية.
وكانت بعض الصحف تلجأ إلى "السبق" بنشر الأسماء أو الأرقام قبل موعد الإعلان الرسمي، مما كان يثير غضب وزارة التعليم أحيانًا ويؤدي إلى فتح تحقيقات حول تسريب النتائج.
عصر الاتصالات.. رسالة قصيرة تغير كل شيء
مع بداية الألفية الجديدة، وتحديدًا منذ عام 2003، دخلت شركات المحمول على الخط، وبدأت خدمة إرسال نتيجة الثانوية العامة عبر رسائل SMS. وكان الطالب يرسل رقم جلوسه إلى رقم مختصر، وبعد ساعات، وربما دقائق، تصله النتيجة على هاتفه.
كانت هذه الخدمة مدفوعة، لكنها حققت انتشارًا واسعًا. وأصبحت أحد المصادر الأساسية لمعرفة النتيجة، خاصة قبل إعلانها رسميًا على مواقع الوزارة، ما مثّل ثورة حقيقية في طريقة الحصول على المعلومة.
الإنترنت يقتحم المشهد
في منتصف العقد الأول من الألفية، بدأت وزارة التربية والتعليم تنشر نتيجة الثانوية العامة على موقعها الرسمي، وكذلك على بوابات إلكترونية أخرى مثل "اليوم السابع" و"مصراوي" و"فيتو" و"الوطن". وكان يتم التعاقد مع هذه المواقع لنشر النتيجة بالتوازي مع الإعلان الرسمي.
أصبح الإنترنت هو المصدر الأساسي، ومعه بدأ "ماراثون" الضغط الكبير على السيرفرات، حيث يواجه ملايين الطلاب صعوبات في الدخول للمواقع فور الإعلان، في مشهد يتكرر سنويًا رغم التطورات التقنية.
وبحسب تقرير لوزارة الاتصالات عام 2023، فإن أكثر من 12 مليون دخول تم تسجيله على مواقع النتيجة خلال أول ساعة فقط من إعلانها، في سابقة تؤكد حجم الترقب والاهتمام المجتمعي.
إعلان تلفزيوني مباشر.. ونقل حي للأوائل
في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ 2019، أصبح وزير التربية والتعليم يعلن أسماء أوائل الثانوية العامة في مؤتمر صحفي يُبث مباشرة على قنوات التلفزيون وصفحات الوزارة على "فيسبوك" و"يوتيوب".
ويتم بعدها نشر النتيجة عبر المواقع الإلكترونية الرسمية. وفي كثير من الأحيان، يُجري الوزير أو المتحدث باسم الوزارة مداخلات هاتفية مع الأوائل، وهو ما أعاد مشهد الراديو القديم ولكن بروح عصرية.
لحظة مصيرية رغم تطور التكنولوجيا
ورغم أن وسيلة الإعلان تطورت من راديو إلى هاتف ذكي، ومن جريدة إلى رابط إلكتروني، فإن النتيجة ما زالت تحمل الوزن نفسه في حياة الطالب المصري.
فهي ليست مجرد درجات، بل تُعد بوابة عبور نحو الجامعة والحياة المهنية، وهو ما يفسر ذلك الترقب الجماعي الذي لا يتكرر إلا في حالات قليلة، مثل نتائج مباريات المنتخب الوطني أو قرارات حكومية مصيرية.
مصادر رسمية تؤكد: لا نية لإلغاء الدور في النتيجة العامة
في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، قال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم إن الوزارة طورت في السنوات الأخيرة وسائل إعلان النتيجة لتشمل أكثر من وسيلة، مراعاة للفروق الجغرافية والتقنية بين المحافظات.
النتيجة مرآة للمجتمع
وأوضح أن تطور وسائل إعلان نتيجة الثانوية العامة في مصر ليس مجرد تطور تقني، بل يعكس تحولات اجتماعية وثقافية عميقة. فرحلة الطالب من الراديو إلى الهاتف المحمول، ومن الانتظار الجماعي إلى التحقق الفردي، هي في الحقيقة قصة تطور مجتمع بأكمله، ما زال يرى في تلك النتيجة لحظة فاصلة بين الأمس والغد.