رواية قنديل أم هاشم للكاتب الكبير يحي حقي تعد من كلاسيكيات الأدب العربي، فبطل الرواية نشأ في بيئة متدينة بسيطة بحي شعبي(السيدة زينب)، شاهد عائلته وهي تتبرك بزيت قنديل أم هاشم، لاعتقادهم بقدرته علي الشفاء من الامراض، وخاصة مرض العيون، ويسافر بطل الرواية الي الخارج وتخطفه أوروبا بعلمها وحداثتها، ويتفوق في دراسته ويعود الي وطنة متسلح بالعلم، ليواجه الخرافات والواقع المرير الذي يواجه المجتمع، فيحطم القنديل الذي يتبارك به أهل الحي، المنغمس في الاساطير والطقوس والموروثات المجتمعية، فيخرج اهل الحي ضده، وفي لحظة فارقة يفكر إسماعيل بطل الرواية وهو في حالة صراع بين الحداثة والجهل، أن كل ما يريده أن يغير مجتمعه الي الافضل، لكن حالة الصدام كانت قاسية علي نفسه، وحبة لمجتمعه يجعله متمسك بالتغيير، فيقرر أن السبيل للتغير هو احترام القيم المجتمعية، وان يسير الدين بجوار العلم بشكل متناغم حتي يصل الي احداث التأثير المطلوب، ويقيم مصالحة بين القلب والعقل، وبين التقاليد والعلم.
في مرات كثيرة عايشت لحظاتها بشكل واقعي عند زيارة بعض المرضي من الأقارب، أو عند مرض أحد أفراد العائلة، فيأتي الزائرون لمعاودة المريض، والكل يدلو بدلوه من يقترح دواء، ومن يقترح اسم دكتور، ومن يقترح وصفة شعبية، أصبح الجميع خبراء في الطب، وفي أغلب الأحيان يستجيب المريض لاقتراح أحدهم، وهناك من يجرب تلك الوصفات الشعبية أملا في الشفاء، فأنصت للجميع ولم ينصت للطبيب المتخصص.
أعتقد اننا نسير في طريق العناد، لا نريد أن نعترف بالمرض، ونصر على العلاج التقليدي والمسكنات، ولا نستخدم العلم والأساليب الحديثة التكنولوجية المتطورة لبتر أثر المرض.
بالأمس شب حريق في سنترال رمسيس، الذي تم السيطرة عليه بعد ٢٢ ساعة كاملة، وأسفر عن وقوع ضحايا ومصابين، قد يري البعض أن الحريق قضاء وقدر.
لكن هل تعلمون ان هذا السنترال هو عقل الدولة ومركز إدارة الازمات والأمن السيبراني، ويجب أن يكون مؤمن بشكل علمي وحديث ومتطور، للسيطرة على أي حريق أو اختراق، لكن للأسف عندما تعطل شلت كثير من مصالح المواطنين، بعد توقف شبكات المحمول، والانترنت، وأجهزة الدفع الاليكتروني، وغيرها من الخدمات التي تقدم للمواطنين.
فأين اجراءات الحماية المدنية، والامن الصناعي، وأنظمة مكافحة الحرائق؟
أين البنية التحتية والتكنولوجية التي وعدنا بها؟
حادثة سنترال رمسيس كاشفة عن قصور كبير يجب أن ننتبه له، وأن نعترف أن أمننا القومي في خطر، ومصالحنا مستهدفة ان استمر هذا الترهل.
لن يشفع لكم أن نحمل الحادث علي الماس الكهربائي، أو أي شيء اخر، ينبغي أن يخضع المقصرين للحساب والعقاب، علي التخاذل في الاخذ بكل أسباب العلم لحماية مقدراتنا وأمننا القومي.
لكن بات من الواضح أننا لا نتحرك يوما ما قبل الازمة، بل نتحرك بعدها كالعادة، لنبحث عن أسباب لنبرر فشلنا وتخاذلنا المستمر.
تحصد حوادث الطرق الأرواح وتترك ورائها مصابين يعانون العجز والمرض، ويتم تقاذف الأسباب علي سائقين يتعاطون المخدرات، او بدون رخص قيادة، وطرق غير ممهده، وطرق مهملة تركت بدون صيانة، أو غياب الوعي وقلة برامج التدريب والتأهيل للسائقين، او ان وزاره الداخلية لم تقم بواجبها بشكل جدي، وتهاونها مع المخالفين، برغم إعلانها عن جمع ألاف المخالفات يوميا، وغيرها من الأسباب التي لا تنتهي، فنحن لدينا القدرة علي الابتكار لوضع أسباب الازمة، ولم نسع الي علاج أسبابها بشكل كامل وعلمي.
علينا أن نعالج مشاكلنا من جذورها، في كل مؤسسة ووزارة، وهيئه، ومصنع، ومدرسة، وشارع، وبيت، .....الخ، الكل مصاب بداء الأداء السلبي، الجميع متخاذل، يضع من زيت القنديل علي مكان الداء.
لم ننسي حوادث المراكب النيلية والمعديات التي تعرض راكبيها للغرق، والسبب نقص وسائل الحماية، وتهالك المركبة، وكعادتنا يتم حملة علي كل المراكب والمعديات ونكتشف مصائب لا تعدي ولا تحصي، ويتم نسيان الموضوع وتعود الأمور الي سابق عهدها، ونترك حياة المواطنين عرضه لقصور في الرقابة، او القيام بتشريع لتغليظ العقوبات لردع المخالفين.
لو أخذنا نعدد القصور في كل ربوع الوطن سنحتاج الي ألاف المقالات، لكننا نحتاج أن نحي ضمائرنا، ونجتهد في عملنا وما كلفنا به، وأن نفعل القانون والدستور، وان نحقق العدالة، وان يكون الجميع سواء أمام مبدأ الحساب والعقاب.
وأن نأخذ بأسباب العلم والتطور التقدم، ونتخلى عن الروتين والبيروقراطية، والمسكنات والوصفات التقليدية، والحلول الناقصة، لنقيم دولة مدنية حديثة ديمقراطية، تحترم المواطنة وحقوق الانسان، لا توغل فيها لسلطة من السلطات الثلاث علي الأخرى.
ان يكون لدينا تعددية سياسية بشكل حقيقي، وبرلمان يعبر عن الشعب، ينقل همومه والأمة وطموحه.
دولة تضع التعليم علي رأس أولوياتها، ولا يكون حقل لتجارب كل وزير يعدل ويغير كيفما شاء كما يحدث الان. دولة يحظى مواطنيها بالرعاية الصحية والاجتماعية.
دولة أولياتها المواطن ترعاه، وتحقق له الرفاهية المنشودة، لا تكبله بغلاء في الأسعار، وتحمله كل أعباء الإصلاح الاقتصادي، وتورثه ديون وقروض له ولأحفاده.
دولة يجب ان تستغل ثروتها البشرية والطبيعية، وتسخر كل مقدراتها وموقعها ومناخها وارثها الحضاري والتاريخي لتصنع جمهورية جديدة قادرة علي مسايرة ركب التقدم.
علينا ان نخلع عباءه الخذلان، والخنوع، والاستسلام، واليأس، لنغير عالمنا ووطننا الي الأفضل.
سنعبر من عنق الزجاجة، وسنتخطى كل أزاماتنا اذا أخذنا بكل أسباب العلم والتكنولوجيا والتقدم، فالعجلة تم اختراعها، والوصول الي القمة هو ارادة وعزيمة وتصميم، واعتقد ان الشعب الذي تحمل كل تلك الخطايا والتبعات، قادر علي المقاومة والخروج من هذا النفق المظلم.
فنرجو من سيادة الرئيس ان يتقدم الصفوف ويعيد هيكلة تلك الإدارة في كل مكان، ولا يكون بيننا متخاذل، وان يطبق القانون على الكبير والصغير، وان التقدم طريقة إقامة العدالة والمساواة، لا محسوبية، الكفاءة هي المعيار، ان نتيح الفرص لدعم كل أنواع الإبداع والبحث العلمي.
نحن مصر صاحبة الإرث التاريخي والحضاري العظيم، نحن بناة الأهرامات، علماء الفلك والطب والهندسة، نحن التاريخ بكل مجدة وشموخه، قادرين علي إعادة مجد الأجداد.
كلنا مسؤولين عن نهضة وطننا، كلنا شركاء في التغيير، فهلا بدأنا من أجل مستقبل أفضل لوطننا ومستقبلنا.