عاجل

الغاية تبرر الوسيلة.. هل التواضع والزهد يتعارضان مع بلوغ أعلى المراتب؟

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

جُبلت النفس البشرية على التطلّع إلى المستقبل، والطموح إلى المراتب العليا دائمًا، وهو ما يدفع بعض الناس إلى الجموح في تحقيق أهدافهم وأحلامهم، مستندين إلى مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة"، دون نظر إلى ما تمثّله تلك الوسيلة من خير أو شر، وهو أمر شديد الخطورة، يؤثر سلبًا على الفرد والمجتمع.

ويقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق: الطموح هو السعي إلى بلوغ أعلى الأهداف، وحتى يبلغ الإنسان ما تطمح إليه نفسه في ظل الالتزام بالمبادئ التي قررها الإسلام، يجب أن يكون له دافعٌ محاطٌ بالأخلاق التي حدّدها القرآن الكريم والسنة النبوية، وإلا تحوّل الطموح إلى جموح يُوشك أن يُهلك صاحبه ويُدمّره.

كيف يبلغ المسلم غايته؟

وتابع: وقد بيّن لنا رسول الله ﷺ الطموح الصحيح في أسمى صوره، وزرع فينا حب التميّز والتفوّق، والرغبة في بلوغ أعلى المراتب في كل موطن نُسند إليه عملاً، فالتواضع والزهد في الدنيا لا يعنيان أبدًا أن يرضى المسلم بالحد الأدنى، أو أن ينزوي وراء الآخرين فيكون في ذيلهم.

وأوضح الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق : لذلك حثّنا رسول الله ﷺ على العمل لبلوغ الغاية والهدف الأسمى لكل مسلم، فقال: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة» [رواه الطبراني في الكبير].

وأشار إلى أنه علّمنا ﷺ أن نعظّم رغبتنا عند الدعاء، فقال: «إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظّم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» [رواه مسلم].

النفس أمارة بالسوء

والإسلام -كما دعا إلى الطموح لنَيل المنزلة العليا في ظل مبادئه السامية- جاء أيضًا ليهذّب النفس البشرية، ويقوم سلوكها، ويهديها سبيل الرشاد؛ فالنفس بطبعها تميل إلى التوجّه نحو السيّئ، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾، وهي غالبًا ما تتبع الهوى، طمعًا في إشباع رغباته.

وأكد الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية السابق : من هنا جاء الإسلام ليعلمنا كيف نكبح جماح النفس حتى تستكين، وتعود إلى جادة الصراط المستقيم، وسبيل ذلك تربية النفس على طاعة الله ورسوله في كل شيء.

وقد وازن الإسلام بين الواجبات التي فرضها على المسلم، وبين ما تطمح إليه نفسه البشرية، فلم يجعل الفروض الدينية شغله الشاغل وداعية لترك دنياه، بل أمره بالجدّ والسعي في طلب الرزق وإعمار الأرض، قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.

فالاستغراق في المأمول بلا حدود هو طموح زائد ينقلب إلى جموح، وهو أمر مرفوض في الإسلام؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾.

أما إذا أعاد الإنسان ضبط مأموله في إطار المشروع، وفي حدود ما أحلّه الله وأباحه، دون الخروج عن الهدي النبوي الكريم، وبما لا يُخالف النظام العام، فإنه سوف يبلغ هدفه، ويحقق طموحه الذي يأمله، ويكون بذلك قد حقق التوازن والاتساق بين ما تطمح إليه نفسه، وما يأمره به ربه.

تم نسخ الرابط