سيدة الخبز ببنها.. سلمى: بقضي طلبات الناس مشي على رجلي ومش عايزة غير الستر

في قرية كفر الجزار الهادئة التابعة لمركز بنها بمحافظة القليوبية، تسير امرأة نحيلة الجسد، ثابتة الخطى، تحمل على رأسها أقفاص الخبز، وفي يديها أكياس الخضار، لا تهدأ لها حركة ولا يكل لها جسد.. إنها "سلمى السيد محمد خاطر"، السيدة التي تجاوزت الخمسين من عمرها، لكنها لا تزال تمضي في دروب الحياة بكل قوة وشرف وكفاح من أجل أبنائها الثلاثة.
سلمى ليست مجرد امرأة تعمل.. بل قصة كفاح حقيقية تُروى، وضمير حي يمشي على الأرض، تبدأ يومها مع بزوغ الفجر، تجوب المخابز لشراء الخبز بالنيابة عن كبار السن والمرضى، ثم تحمله فوق رأسها لتوصله إلى منازلهم تخفيفًا عنهم ورحمة بحالهم. لا تطلب الكثير، فقط جنيهات بسيطة تكفي لشراء طعام يومها وإعالة أبنائها.
وبعدها تبدأ رحلتها الثانية، إلى الأسواق، حيث تشتري الخضار، ثم تعود لتغسله وتقطعه وتجهزه وتوصله للمنازل. لا تملك دراجة ولا وسيلة نقل، بل تسير على قدميها، تتنقل بين الحواري والحارات بحملٍ ثقيل وقلبٍ أثقل بالهموم، لكنها لا تشكو، بل ترفع يديها إلى السماء بالدعاء والرضا:"نفسي أربي ولادي بالحلال.. الستر وبس، ده كل اللي طالبة من الدنيا".
يقول عنها جيرانها: "سلمى دي بركة في الشارع.. بتشتغل بشرف وكرامة، وما بتمدش إيدها لحد، ولو أي حد مريض أو كبير مش قادر يجيب عيش، هي تروح وتجيبه من غير تردد".
ويضيف أحد أهالي القرية: "يا ريت الدولة أو أي جهة تساعدها، تستحق معاش أو مشروع بسيط تعيش منه.. دي ست شقيانة طول عمرها، وتستاهل كل خير".
ويقول آخر: "كلنا بندعيلها، وبنشوفها كل يوم شايلة الخبز أو الخضار.. عمرنا ما سمعنا منها كلمة شكوى.. دي ست من ذهب".
ورغم قسوة الأيام وتكرار المعاناة، فإن سلمى لا تتوقف، تحمل على أكتافها هموما أثقل من أقفاص الخبز، لكنها تقاوم، لأن في عينيها ثلاثة أبناء تنتظر أن تربيهم بالحلال، وتطعمهم من عرقها، وتلبسهم من تعبها.
حلمها بسيط.. معاش يكفيها، أو مشروع صغير تستغني به عن السير الطويل وحمل الأثقال، وتكمل ما تبقى من عمرها في ستر وراحة دون أن تفقد شرفها وكبرياءها.
سلمى السيد محمد خاطر.. ليست فقط "سيدة الخبز ببنها"، بل هي رمزٌ لصبر الأمهات وكفاح المعيلات، نموذجٌ حي يجب دعمه والوقوف بجانبه.. فربما دعوة صادقة، أو يد حانية، تكون سببًا في تغيير حياتها، وتحقيق حلمها في الستر وتربية أولادها بالحلال.