عاجل

ظهر رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد علي في الثالث من يوليو 2025 خلال افتتاح الدورة العادية الـ42 للبرلمان الإثيوبي وجعبته مليئة بالتصريحات الرنانة كالعادة، ولكن هذه المرة كان يقف على أعلى حافة جبل ليقذف ما في جعبته علها تطال معارضيه في الداخل وأعداءه في دول الجوار وأنداده في نهر النيل مصر والسودان و في البحر الأحمر مصر والصومال. ولهذا نحتاج إلى التعرف على فحوى خطابه الأخير للوقوف على ما يحمله من أسئلة لم يجب عنها آبي أحمد.

فجر الرجل أربع قنابل بعيدة المدى سريعة الانطلاق في جلسة واحدة. لا تقل أهمية كل واحدة منهم عن الأخرى ولكن الإعلام كعادته لا يركز إلا على النزاع المصري الإثيوبي على مياه النيل والنفوذ إلى البحر الأحمر. ولو أن هذا الأمر لا يُعد غريبا، فمنذ متى كانت تظهر أخبارا تخص إثيوبيا يلهث خلفها الإعلام العالمي قبل محاولات إثيوبيا الحثيثة لجر بلد استراتيجي الأهمية للعالم مثل مصر لمواجهة محفوفة بالمخاطر؟

تواجه إثيوبيا ويلات الفقر والاستدانة فهي من الدول التي تصنف بـ "الفقر المدقع، حيث يعيش أكثر من 34% تحت خط الفقر الذي يُحتسب عند 2.15 دولارا للفرد في اليوم الواحد كقوة شرائية، ما يعني أن أكثر من 40 مليون إنسان لا يستطيعون العيش في ظروف لائقة. وهذه الأرقام مرشحة للزيادة والمضاعفة بعد إنهيار العملة الإثيوبية في سبتمبر الماضي كما ذكر ستيف هينك عالم الاقتصاد التطبيقي، وقال  بأن التضخم لا يزال يٌعاقب الإثيوبيين بوصوله لما يقارب الـ40 % سنويا بسبب سياسات ا"لمتغطرس" و"الفاسد" وا"لفاشل" آبي أحمد. تلك الأمور التي أكدها آبي للبرلمان وأضاف عليها تحديات أكبر مثل ارتفاع معدلات البطالة واتساع العجز في الميزان التجاري.

لم يكتفي السيد أحمد بذلك، ولكنه ألقى باللوم على الشعب الإثيوبي وحثه على مزيدا من العمل الجاد مع بعضا من الإتهامات بالإتكالية في نفس ذات الوقت الذي استدانت فيه حكومته قروضا من صندوق النقد بشروط تعجيزية واصفا إياها بـ"إصلاح استثنائي قادته الحكومة بالتزام يٌحتذى به عالميا" ثم عاد ليناقض نفسه لائما الإثيوبيون قائلا: "لا ينبغي لإثيوبيا أن تتسول، ينبغي لأبنائها أن يعملوا بجد ويتحرروا من التسول". فإذا كان الشعب هو المُلام فمن الذي ضاعف معدل الدين الخارجي في العام الماضي وحده بنسبة 9%؟ ومن الذي أدخل أديس أبابا في نادي المتخلفين عن سداد الديون لمجموعة العشرين بتوقفه عن سداد 33 مليون دولار في ديسمبر 2023، بعد أن تم تعليق المدفوعات المستحقة على إثيوبيا في 2021 و2022؟

وفي إجابته على أسئلة النواب التي تخص الأوضاع الأمنية الداخلية المتدهورة والتي تشهد أعمالا عنيفة ترتقي لمستوى الحرب الأهلية في عدد من الأقاليم الإثيوبية، كان حديثه هذه المرة ذو لهجة تهديدية متصاعدة، حيث وصف المختلفين معه من المعارضين بأصحاب فكر سياسي منحرف ونظر إلى طرحهم في الحوار الوطني على إنه ناتج عن التشويه الإعلامي وغياب الوعي السياسي. كما رفض الانتقادات التي وُجهت لاتفاقية بريتوريا للسلام التي أنهت حرب العامين التي شنها على الإقليم الشمالي الشرقي والتي أبرمها مع قادة جبهة تحرير التيغراي، ولم يفي بوعوده لهم مما أدى إلى عودة التذمر لدى الجبهة وشعب التيجراي. فكانت تهديداته سيدة الموقف حين قال نصا موجها حديثه للسياسيين ورجال الدين في الإقليم على حد سواء: "عليكم بالتحرك سريعا إذا أردتم تجنُب حربا جديدة، لأن أي شيء ستفعلونه بعد أن تبدأ، لن يكون له قيمة، وإن الحرب القادمة لن تبقي ولن تزر، لإنكم عديمو الخبرة بالحروب الحديثة".

وفي مشهد بدا و كأنه يرسم أرض المعركة الجديدة لقادة التيغراي بعد أن خاض الطرفين حربا امتدت لعامين راح ضحيتها قرابة الـ600 ألف قتيل وتم تشريد مليوني شخص وتعرض الآلاف من النساء للاغتصاب وتهدم الإقليم تقريبا وخسرت البلاد ينية تحتية ومشاريع استثمارية وتنموية هائلة ومرافق وخدمات عدة هذا بالإضافة لإخراج أكثر من 35% من مدارس ومستشفيات الإقليم من الخدمة، وقال أن العالم مشغول الأن بحروب أخرى  ولن يسمع بما سيحدث في التيغراي. أكد آبي أحمد على أنه عازم على إعادة الاستقرار في الأقاليم المتمردة عبر جيش إثيوبيا "القادر" و"الحديث".

وعلما بأن الجيش الإثيوبي يتكبد خسائر فادحة ولا يستطيع دخول إقليم الأمهرا وهو لا يدخل أيضا إقليم التيغراي ويعاني في الإقليم الصومال الإثيوبي معارضة كبيرة لاحتشاده على الحدود على إثر التواجد العسكري المصري في الصومال الذي هددها باتفاقية غير قانونية مع الإقليم الانفصالي أرض الصومال في يناير 2024 مما جعلها تتحالف مع مصر ضده. وهنا علينا أن نسأل متى كان جيش إثيوبيا قويا في حربه السابقة على التيغراي، لولا أنه حصل على دعم خارجي من الطيران والذي بدونه ما كان لينتصر في هذه الحرب أبدا؟ وما هو حال الجيش اليوم هو ممزق بين الأقاليم المتحاربة؟

في تهديده لم ينسى آبي أحمد أن يتوعد التغراي التي تتعاون مع الأعداء بما يمس سلامة التراب الوطني الإثيوبي ولكن نسى أنه كان صاحب المبادرة في إدخال الجيش الإريتري للأراضي الإثيوبية لمعاونته على هزيمة التيغراي، ذلك الجيش الأجنبي الذي ارتكب جرائم الحرب. وما تزال القوات الإيريترية تحتل أجزاء من الإقليم وهو يملأ القاعة صراخا عن تمسكه بالسيادة الإثيوبية على أرضها. إرتريا التي استغلها وقت الحرب ثم ذهب لعقد معاهدة سلام مع التيغراي بعيدا عن حليفه إسياس أفورقي والذي هدده في السابق بأطماعه في منفذ بحري على البحر الأحمر معتبرا أن ذلك حقه التاريخي والوجودي، الأمر الذي دفع إيريتريا هي الأخرى للإصطفاف إلى جوا كصر والصومال. وهنا نطرح سؤالا مُلحا: لماذا لم يبادر آبي أحمد بإخراج الجيش الإيريتري من التيغراي بدلا من تهديد التغراي بالجيش الإثيوبي؟ ولماذا دفع أحلافه التقليديين "الصومال و إريتريا " للاحتشاد مع مصر في معسكر واحد؟

يسترسل آبي أحمد في حديثه ويطمئن نواب الشعب على مشروع المنفذ البحري ويؤكد لهم أنه سيحقق الحلم سواء بالسلم أو الحرب وأنه "حق تاريخي لإثيوبيا" فتهتز القاعة بحرارة التصفيق له. ثم يكشر عن أنيابه ويتفاخر بحمايته لانتصاره العظيم في اكتمال بناء السد والاستعداد للاحتفال مشمولا بدعوة دول المصب مصر والسودان إلى الافتتاح الكبير. ذلك البناء الخرساني الذي كان مقرر إكتماله في عام 2017 ولكن نظرا للعيوب الفنية والمصاعب الأمنية والأزمات التمويلية والفساد الذي واكب عملية التشييد، تأخر سنوات إضافية. وتأتي هذه الدعوة بعد أن أعلنت مصر مقاطعتها للمفاوضات استمرت 13 عاما من الاستهتار والتعنت الإثيوبي في جولات المفوضات العديدة، فهل كانت الدعوة موجهة لمصر بالخصوص؟ أم أن هناك طرف آخر هو المعني بالعلم والإحاطة؟

ولعلني أجيب أنا على هذا السؤال بدلا من رئيس وزراء إثيوبيا. نعم الدعوة لم تكن مقدمة لمصر، المعلوم مسبقا أنها ترفض هذا الكيان المائي غير الشرعي بدون اتفاق مُلزم، وترى إثيوبيا دولة لا تكترث لحصتها التاريخية في مياه النيل. إثيوبيا ذات التصريحات المتحدية في كل مناسبة هي الصامتة اليوم على إهانة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب لها ووصفه لسد النهضة بـ "التمويل الغبي" الذي قامت إدارة باراك أوباما بالموافقة عليه. فأراد آبي أن يرد عمليا حتى لا يُغضب سيد البيت الأبيض، فهو يعلم أنه لن يتورع في حرمانه من المساعدات والعطايا. وهنا وقد أجبت أنا على السؤال الأصعب فهل يستطيع رئيس وزراء إثيوبيا الإجابة على باقي الأسئلة؟ والتي تخص سد النهضة ولا نجد لها إجابة وهم كُثر: لماذا لم يكتمل ملء الـ74 مليار متر مكعب وتوقف قرب الـ60 مليار؟ ولماذا لم يتم تركيب سوى توربينين من أصل 13 توربين ومع ذلك التوربينات خارج الخدمة؟ لماذا تم إسناد السد لشركة ساليني الإيطالية التي سبق إسناد سد "جيلجل جيبي 2" و سد " جيلجل جيبي 3" إليها وانهار جيبي 2 بعد افتتاحه ببضعة أيام؟  وواجه جيبي 3 مشاكل هندسية وبيئية ؟ و الأسئلة حول مشاكل السد لن تنتهي ولا نريد الإطالة عليه، فسنكتفي بهذا القدر.

تم نسخ الرابط