على مدار الـ72 ساعة الماضية لم يكن هناك حديث معي سوى عن ما حدث في سنترال رمسيس وتبعاته التي أثرت على البنية الرقمية في جميع أرجاء المحروسة، وإن كان هذا الحديث معي بصفتي استشاري أمن البيانات والذكاء الاصطناعي فهذا لا ينفي أن الأمر كان له صداه الواسع خاصة أن المواطن العادي شعر بالتأثير حين فشل في سحب نقوده من ماكينات الـATM.
وفي هذه المساحة أيضًا شرحت كيف يمكن تجنب تكرار الأزمة من خلال عدة أمور، مع العلم أنه لا يوجد نظام مضمون بنسبة 100% لكن هناك بنية هندسية تستطيع تخفيف أثر أي حادثة والحد من عواقبها، وكان من بين الحلول التي طرحتها شبكات الفايبر ومراكز البيانات التي تعد حجر الأساس ثم العمل على توسعة شبكة Fiber Optic Cables وربط آلاف المدارس والقرى والمدن الجديدة بالبنية الحديثة وتطوير السنترالات القديمة إلى Fully Digital Exchanges".
وبجانب خطوات أخرى يمكن أن تجدوها في تلك المساحة بشرح تفصيلي أكثر، فإن ما حدث في سنترال رمسيس يعد فرصة جيدة للحديث عن "اقتصاد الأمن السيبراني" وهو مصطلح غير مألوف لدى المواطن المصري رغم أنه أصبح شائعًا في المنطقة العربية خاصة دول الخليج، وصار هو قطاع المستقبل وخسائره لا تستطيع الدول تحملها في الكثير من الأحيان.
ما المقصود باقتصاد الأمن السيبراني، وفقًا لمؤتمر دافوس العالمي 2024 فإن المقصود بهذا المصطلح ينقسم إلى قسمين، الأول هو الخسائر التي تتكلفها كل دولة جراء الجرائم السيبرانية سواء التي تستهدف تخريب بنية تحتية أو أنظمة اتصالية أو تعطل في مرافق الدولة نتج عنه خسائر مالية، والشق الثاني هو استثمارات كل دولة في حماية أمنها السيبراني خاصة أن تلك الاستثمارات وصلت عالميًا إلى 193 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 562 مليار دولار في 2032.
نعود إلى حريق سنترال رمسيس الذي لم ينتج عنه فقط تعطيل لحياة المواطنين اليومية بل تسبب في تعطيل حركة الطيران وكذلك تعليق البورصة ومدت البنوك ساعات عملها إلى ساعتين، كل ذلك وفق بيانات رسمية صادرة من تلك الهيئات وبالطبع كل هذا الارتباك سيتم ترجمته إلى خسائر اقتصادية "لم تقدر بعد" لكن في النهاية ستتكبدها الدولة، ولذلك فالاستثمار في الأمن السيبراني ليس من قبيل الرفاهية بل وقاية من خسائر أكبر في عصر التكنولوجيا.
وللإنصاف أيضًا فما من دولة يمكنها القول أن حمت نفسها بالكامل من تلك الحوادث التي ينتج عنها خسائر مالية كبيرة، كما أنه ليس هناك دولة مؤمنة بالكامل ضد هذا النوع من الوقائع، لكن ما تفعله الدول هي أنها تنفق الكثير من أجل تقليل الخسائر وتخفيف الأثر، وهو ما تفعله مصر أيضًا التي بدأت في تأسيس مراكز للبيانات وتحديث بنيتها الرقمية في كثير من الأماكن، كما بدأت في استيعاب أجيال جديدة من الاتصالات مثل "جي فايف" وغيرها".
يؤكد كلامي أن العودة إلى الحياة الطبيعية بدأت بسرعة وخلال ساعات شعر المواطن المصري بالتحسن، لكن رغم ذلك فإن الخطوات بطيئة جدًا والمشوار طويل، ولعل حادثة سنترال رمسيس تمثل جرس إنذار لضرورة تسريع الخطى فليس من المعقول أن يكون حادث بسيط يحدث يوميًا في جميع دول العالم قادر على تعطيل حياة المصريين إلى هذا، ولعل ذلك أيضًا يكون خير بداية لوعي المواطن المصري ومعرفته بآليات العصر الجديد.