عاجل

قانون الإجراءات الجنائية.. ركيزة العدالة وحماية الحقوق

مجلس النواب
مجلس النواب

أقر مجلس النواب، خلال دور الانعقاد العادي الخامس من الفصل التشريعي الثاني قانون الإجراءات الجنائية بتعديلاته الجديدة، التي تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في منظومة العدالة الجنائية بالبلاد.

و يأتي هذا القانون، الذي طال انتظاره، في إطار سعي الدولة لتحديث التشريعات بما يتناسب مع التطورات الاجتماعية والقانونية، ويضمن تحقيق العدالة الناجزة وتبسيط الإجراءات أمام المحاكم.

ويُعد القانون أحد أهم القوانين في أي دولة حديثة، فهو بمثابة العمود الفقري الذي يُنظم سير العدالة الجنائية، ويُحدد الإطار القانوني لكيفية التعامل مع الجرائم، بدءاً من اكتشافها وجمع الأدلة، مروراً بالتحقيق والمحاكمة، وصولاً إلى تنفيذ العقوبة.

ولا يقتصر دور هذا القانون على مجرد تنظيم العملية القضائية فحسب، بل يمتد ليُشكل صمام أمان حاسماً لحماية الحريات الفردية وضمان حقوق المتهمين والمجني عليهم على حد سواء، في توازن دقيق بين تحقيق العدالة الزجرية وصون حقوق الإنسان.

 

أهداف ومبادئ قانون الإجراءات الجنائية

يهدف قانون الإجراءات الجنائية إلى تحقيق جملة من الأهداف والمبادئ الأساسية التي تضمن فعالية النظام القضائي وعدالته: تحقيق العدالة الجنائية الهدف الأسمى هو الوصول إلى الحقيقة المادية بشأن ارتكاب الجريمة ونسبتها لمرتكبها، ومن ثم تطبيق القانون والعقوبة المناسبة، هذا يشمل معاقبة الجاني وردع الآخرين عن ارتكاب الجرائم، مما يساهم في حفظ الأمن والنظام العام.

"حماية الحريات الفردية" يُعد هذا القانون درعاً واقياً ضد التعسف أو انتهاك حقوق الأفراد، فهو يُحدد الضمانات القانونية التي يجب أن يتمتع بها المتهم في جميع مراحل الدعوى الجنائية، من لحظة القبض عليه، مروراً بالتحقيق الابتدائي، وصولاً إلى المحاكمة.

"الموازنة بين مصلحة المجتمع وحقوق الأفراد" يسعى القانون جاهداً لتحقيق توازن دقيق بين مصلحة المجتمع في مكافحة الجريمة ومعاقبة الجناة، وبين ضرورة حماية حقوق وحريات الأفراد، حتى وإن كانوا متهمين. هذا التوازن هو جوهر دولة القانون.

"سرعة الفصل في الدعاوى" يهدف القانون إلى تسريع وتيرة التقاضي لضمان العدالة الناجزة، وتقليل الأضرار الناتجة عن طول أمد القضايا، سواء على المتهمين أو على المجني عليهم والمجتمع ككل.

"توفير الضمانات الإجرائية" يضع القانون مجموعة من القواعد والإجراءات التي يجب على سلطات التحقيق والمحاكمة الالتزام بها، مثل علنية المحاكمات، حق الدفاع، قرينة البراءة، عدم جواز محاكمة الشخص عن الفعل الواحد مرتين، وحق الطعن في الأحكام.

 

مراحل الدعوى الجنائية في قانون الإجراءات

يمر سير الدعوى الجنائية بعدة مراحل متتالية ومنظمة بموجب قانون الإجراءات الجنائية، وكل مرحلة لها أحكامها وإجراءاتها الخاصة:

 

مرحلة الاستدلال (التحريات)

تبدأ هذه المرحلة فور وقوع الجريمة أو العلم بها، تقوم بها سلطات الضبط القضائي (كالشرطة) بجمع المعلومات الأولية، والبحث عن الجاني، وجمع الأدلة المادية، وتحرير المحاضر، يتم في هذه المرحلة اتخاذ الإجراءات الأولية كالقبض على المتهم في حالات التلبس، وجمع أقوال الشهود. يُعد عمل الضبط القضائي أساساً لعمل النيابة العامة والقضاء.

 

مرحلة التحقيق الابتدائي

تتولى هذه المرحلة النيابة العامة (أو قاضي التحقيق في بعض الأنظمة)، تُعد النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى الجنائية، تقوم النيابة العامة بالتحقيق في الجريمة بشكل أعمق وأكثر تفصيلاً، وتتضمن:

سماع أقوال المتهم: ويجب أن يكون ذلك بعد إخطاره بحقه في الاستعانة بمحامٍ.
سماع أقوال الشهود: وتوثيق شهاداتهم.
المعاينة: معاينة مسرح الجريمة وجمع الأدلة المادية.
الاستعانة بالخبراء: في المجالات الفنية أو العلمية (مثل الطب الشرعي، الأدلة الجنائية).
التفتيش: تفتيش الأشخاص والمنازل والممتلكات وفقاً لضوابط وشروط قانونية صارمة لضمان حرمة الحياة الخاصة.
القبض والحبس الاحتياطي: تُعد هذه الإجراءات من أخطر مراحل التحقيق، حيث تُقيد حرية الشخص. لذلك، يضع القانون شروطاً وضمانات صارمة للقبض والحبس الاحتياطي، وتُحدد مدداً قصوى لهما، وتُخضعها لرقابة قضائية.
بعد الانتهاء من التحقيق، تتخذ النيابة العامة قراراً إما بإحالة المتهم إلى المحكمة إذا رأت أدلة كافية لإدانته، أو بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا لم تتوفر أدلة كافية.

مرحلة المحاكمة

تُعد المحاكمة هي المرحلة الحاسمة في الدعوى الجنائية، حيث تُعرض القضية أمام المحكمة المختصة. تتميز هذه المرحلة بعدة مبادئ أساسية:

العلنية: يجب أن تكون جلسات المحاكمة علنية، إلا في حالات استثنائية يقررها القانون لحماية النظام العام أو الآداب.

المواجهة: يُعطى لكل من النيابة العامة (ممثل الاتهام) والدفاع (محامي المتهم) الحق في تقديم دفوعهما وأدلتهما ومناقشة الطرف الآخر.

الشفوية: الأصل أن تتم الإجراءات وتقديم الأدلة شفوياً أمام المحكمة، مع تدوينها في محاضر الجلسات.

حرية الإثبات: يُعطى للخصوم حرية تقديم الأدلة، وللمحكمة حرية تقديرها، مع الالتزام بقواعد الإثبات الجنائي التي يحددها القانون.

قرينة البراءة: يُفترض أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات. عبء الإثبات يقع على عاتق النيابة العامة.
بعد سماع المرافعات وتقديم الأدلة، تُصدر المحكمة حكمها إما بالإدانة أو بالبراءة.

 

مرحلة الطعن على الأحكام

يُكفل القانون حق الطعن في الأحكام القضائية لضمان سلامتها وعدالتها، وذلك من خلال:
الاستئناف: يتيح للخصوم إعادة عرض القضية على محكمة أعلى درجة (محكمة الاستئناف) لإعادة النظر في الحكم الصادر من محكمة أول درجة (الابتدائية أو الجزئية).

النقض: هو طعن غير عادي يوجه إلى الأحكام النهائية الصادرة من محاكم الاستئناف. لا ينظر هذا الطعن في موضوع الدعوى، بل يقتصر على فحص مدى صحة تطبيق القانون من قبل المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.

 

مرحلة تنفيذ العقوبة

بعد أن يصبح الحكم الصادر باتاً (أي لا يجوز الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن العادية)، تبدأ مرحلة تنفيذ العقوبة المقررة، تُشرف النيابة العامة على عملية التنفيذ، وتتولى الجهات التنفيذية (كالشرطة ومصلحة السجون) تطبيق العقوبات السالبة للحرية أو الغرامات أو غيرها.

ويظل قانون الإجراءات الجنائية مرآة تعكس مدى تقدم أي مجتمع في تحقيق العدالة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان سيادة القانون على الجميع دون استثناء.

تم نسخ الرابط