لافتات خلف زجاج الموتى.. وقصص لم تكتمل في حريق سنترال رمسيس

عند باب مشرحة زينهم، خيم صمت موجوع لا يخترقه سوى همسات الدعاء وصرخات مكتومة.. مشهد لم يكن عاديًا، بل وداع ثقيل لضحايا لم يكن يُنتظر رحيلهم، بل كان يُنتظر منهم أن يفرحوا، أن يُنجزوا، أن يُكملوا أحلامهم الصغيرة والكبيرة.
أربع سيارات إسعاف، مصطفة في هدوء جنائزي، كُتبت على زجاجها الخلفي أسماء أربعة رجال من خيرة شباب قطاع الاتصالات في مصر، سقطوا في الحريق المفجع الذي التهم مبنى سنترال رمسيس بوسط القاهرة.
المرحوم الأستاذ وائل مرزوق
المرحوم المهندس أحمد رجب
المرحوم المهندس محمد طلعت
المرحوم المهندس أحمد مصطفى
لافتات تقول كل شيء ولا تقول شيئًا .. أسماء على زجاج الموتى، وراءها حكايات وأطفال وأحلام لم تكتمل، وأسر ما زالت تحاول استيعاب الفاجعة.

أحمد مصطفى.. مات قبل خطوبته بساعات
كان من المفترض أن يكون يوم الإثنين هو أسعد أيام حياته.. يوم خطوبته. اشترى البدلة، واتصل بأصدقائه ليشاركوه الفرح، وقال لوالدته "ادعيلي من قلبك". لكن الفرح تأجل إلى الأبد، والدعاء لم يصله في الوقت المناسب.
أحمد، موظف الشؤون الفنية، اختنق داخل غرفة مغلقة في الطابق السابع، بعد أن لجأ إليها مع زملائه الثلاثة هربًا من الدخان المتصاعد بسبب ماس كهربائي، في مبنى لا يحتمل النار ولا التأخير.
وائل مرزوق.. آخر مكالمة كانت من تحت الحصار
قال لزوجته عبر الهاتف: "في حريق، أنا مقفول عليا في المكتب، مستني الحماية المدنية".
صوته كان مطمئنًا، يخفي عنها حجم الكارثة، ربما كان يطمئن نفسه. لكنها كانت آخر مكالمة.
وائل، الموظف بنيابة الموارد البشرية، أب لطفلين، أحدهما كان يستعد للاحتفال بنجاحه مع والده، لكن الموت جاء أولًا.
أحمد رجب.. دخل الغرفة ولم يخرج منها
ذهب ليتوضأ للصلاة، وحين عاد كانت النيران قد بدأت تلتهم المكان. صعد إلى الطابق السابع، دخل الغرفة مع زملائه وأغلقوا الباب، على أمل أن يصلهم الإنقاذ قبل أن ينفد الهواء. لكنه لم يصل.
أب لثلاثة أطفال، يعمل بصمت، ويعيش بتواضع. كان يحلم بحياة هادئة لعائلته، لكنه تركهم في لحظة قاسية.
محمد طلعت.. صاحب الضحكة الطيبة
من يعرف محمد، يعرف وجهه البشوش وروحه الخفيفة. صديق للجميع، ومحبوب من زملائه. لكنه لم يكن يعلم أن هذه ستكون نهاية خدمته.
اختنق كزملائه في الغرفة المغلقة، حين سبقه الدخان، وغابت عنه القدرة على النجاة.
20 ساعة من الحريق.. و4 أرواح انطفأت
اندلع الحريق مساء الإثنين في الطابق السابع من مبنى سنترال رمسيس، أحد أبرز مراكز البنية التحتية للاتصالات في مصر.
دفعت الحماية المدنية بـ20 سيارة إطفاء و5 سلالم هيدروليكية، وتم فصل الكهرباء والغاز عن المبنى، لكن الحريق تجدد ثلاث مرات أثناء التبريد.
الحصيلة: 4 وفيات، 33 مصابًا باختناقات، بينهم 10 من رجال الشرطة. والألم، أكبر من كل الأرقام.
سيارات الموتى.. حكايات خلف الزجاج
قبل أن تغادر الجثامين المشرحة، وقف كل أهل أمام جثمان فقيدهم، بين دموع ودعوات، وكل ثانية تمرّ كأنها دهر.
لافتات الأسماء على سيارات الإسعاف لم تكن مجرد تعريف.. كانت حكاية.
خلف كل اسم، حياة، وأحلام، وأطفال، وضحكات لن تتكرر.
رحلوا في صمت، وتركوا وراءهم سؤالًا مؤلمًا:
هل كان من الممكن إنقاذهم؟