شرطان أساسيان لاستخدام تطبيق القِبلة في الموبايل.. تعرف عليهما

أصبح الاعتماد على تطبيقات تحديد اتجاه القبلة من الأمور الشائعة بين المسلمين في كل أنحاء العالم، ورغم الراحة التي توفرها هذه الوسائل الحديثة، إلا أن التساؤلات لا تزال تُطرح حول مدى جواز الاعتماد عليها شرعًا، وما إذا كانت تُغني عن الاجتهاد أو ترفع الإثم عن المستخدم حال وقوع خطأ في الاتجاه.
وفي هذا السياق، أجاب الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على هذه المسألة بدقة ووضوح، كاشفًا عن الضوابط الشرعية التي يجب مراعاتها عند استخدام التطبيقات أو الأجهزة الحديثة لتحديد القبلة، مؤكدًا أن المسألة ليست فقط في استخدام الأداة، بل في طريقة استخدامها ومدى دقتها.
استخدام الهاتف في تحديد القبلة
قال وسام إن الاجتهاد في تحديد القبلة يُعد مقبولًا شرعًا فقط عند تحقق شرطين أساسيين لا يُستغنى عنهما، أولهما أن تكون الوسيلة أو الأداة المستخدمة موثوقة ويغلب على الظن دقتها، كأن تكون بوصلة رقمية معروفة أو تطبيق موثق واسع الاستخدام.

أما الشرط الثاني، فهو إتقان الاستخدام الصحيح لتلك الأداة، لأن الاعتماد عليها بشكل عشوائي أو غير مدروس لا يُعد اجتهادًا شرعيًا بل تقصيرًا، حتى وإن بدا في الظاهر أن الشخص حاول معرفة القبلة.
الاستخدام غير السليم للأداة يُسقط الاجتهاد
وأضاف وسام خلال مداخلة تليفزيونية أن هناك مغالطة شائعة يقع فيها كثير من الناس، وهي أنهم يفتحون تطبيق القبلة على الهاتف ويعتمدون على ما يظهره مباشرة، دون الالتزام بالخطوات الدقيقة المطلوبة للحصول على نتيجة صحيحة.
وأوضح أن من بين هذه الخطوات معايرة البوصلة عبر تحريك الهاتف بطريقة محددة، وكذلك التأكد من تفعيل خاصية تحديد الموقع الجغرافي GPS، وهي خطوات هامة تؤثر على دقة تحديد الاتجاه، وإن لم تُطبق بشكل صحيح، فإن النتيجة غالبًا ما تكون خاطئة.
وأكد أن كثيرًا من المستخدمين يهملون هذه التفاصيل الدقيقة، مما يؤدي إلى أداء الصلاة في غير اتجاه القبلة الصحيح، وهو ما لا يُعد اجتهادًا شرعيًا معتبرًا.
فتوى واضحة: لا إثم مع اجتهاد صحيح
وفي رده على سؤال: "هل يُعذر المصلي إذا صلى في اتجاه خاطئ بناءً على التطبيق؟"، أوضح وسام أن المعيار الشرعي في رفع الإثم هو تحقق الاجتهاد السليم، أي أن يكون الشخص قد استخدم وسيلة موثوقة وأحسن استخدامها.

فإذا صلى بناءً على ما أظهره التطبيق بعد استيفاء الشروط، ثم تبين له لاحقًا أن الاتجاه كان خاطئًا، فلا إثم عليه وصلاته صحيحة، لأنه بذل وسعه واجتهد على قدر استطاعته، وهو ما يقرّه الشرع الإسلامي الذي يقوم على رفع الحرج.
أما إن استخدم التطبيق بطريقة خاطئة أو أهمل خطوات الاستخدام، فإن خطأه يكون ناتجًا عن تقصير أو جهل، وقد يؤثم إذا كان بإمكانه التعلم والتأكد.
التقنية وسيلة وليست غاية.. والإجادة مفتاح القبول
وشدد الشيخ وسام على أن التقنيات الحديثة، رغم ما تحمله من دقة وسرعة وسهولة في تحديد الاتجاهات، إلا أنها تبقى مجرد وسيلة، ولا يمكن الاعتماد عليها دون معرفة كيفية استخدامها، وهو ما ينسحب على جميع الأدوات التي تُستخدم في الشعائر، وليس فقط في تحديد القبلة.
الإسترلاب مثال تاريخي يعزز نفس المفهوم
ولتوضيح المسألة أكثر، استشهد أمين الفتوى بأداة "الإسترلاب"، وهي أداة فلكية قديمة كان يستخدمها المسلمون في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية لتحديد الاتجاهات ومواقع الكواكب.
وأوضح أن العلماء حينها لم يكونوا يُعذرون في أخطائهم إلا إذا أتقنوا استخدام الإسترلاب وأجادوا الحسابات المرتبطة به، مؤكدًا أن الاجتهاد لا يعني امتلاك الوسيلة فحسب، بل معرفة كيفية تشغيلها بدقة.
وقال: "كما لا يُلام من اجتهد وأتقن الوسيلة وأخطأ، فإنه يُلام من تهاون أو استخدم الأداة دون معرفة".
الرسالة الأهم: النية الصادقة لا تُغني عن العلم
أكد وسام أن النية الصادقة لا تُغني عن المعرفة الدقيقة في الأمور الشرعية، خصوصًا فيما يتعلق بتحديد القبلة، لأن الاتجاه الصحيح جزء لا يتجزأ من شروط صحة الصلاة، مؤكدًا أن استخدام التكنولوجيا مرحب به شرعًا، بل هو وسيلة معتبرة ومشروعة، بشرط أن يُستخدم بعلم ودقة وأمانة، لافتًا إلى أن المسلم عليه مسؤولية الاجتهاد والتعلم لا أداء الفروض بشكل آلي دون تحقق أو تدبر.