استهداف معهد وايزمان والأهمية الاقتصادية للمعاهد العلمية

في القرن الحادي والعشرين أصبح العلم قوة محركة للاقتصاد العالمي، ولم تعد المراكز البحثية مجرّد أماكن للمعرفة النظرية، بل تحولت إلى ثروات وطنية تُنتج الابتكار وتُولّد الصناعات. حيث أثبتت التجربة أن الاستثمار في الأبحاث يؤدي إلى تطور اقتصادي ملموس، كما يظهر في حالة معهد وايزمان في إسرائيل، ومؤسسات أخرى مثل مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في مصر، ومدينة الأبحاث العلمية ببرج العرب، ومعهد مصدر للطاقة المتجددة في الإمارات، ومركز الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة في السعودية. وهذه المراكز لا تصنع المعرفة فقط، بل تُعيد تشكيل الاقتصاد المحلي وتُمهّد الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة. فالعلم لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لتأمين المستقبل، وتحقيق السيادة الاقتصادية والمعرفية.
ووفقًا للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في منتصف يونيو 2025، شهدت العلاقات بين إيران وإسرائيل تصعيدًا جديدًا في أثناء حربهم؛ حيث استهدفت إيران معهد وايزمان في إسرائيل ردًا على غارات جوية إسرائيلية على مواقع نووية إيرانية؛ مما أدى إلى وقوع أضرار جسيمة في مختبرات الأحياء والكيماويات وبعض المباني قيد الإنشاء داخل الحرم الجامعي دون تسجيل إصابات بشرية، وهذا وفق ما أكدت إدارة معهد وايزمان. وبعدها بأيام، علّق باحثون على أن الضربة دمرت معدات متقدمة وأعاقت بحوثًا حساسة دامت سنوات من العمل العلمي، ورمت إيران من خلاله إلى تقويض القدرات البحثية والعلمية الإسرائيلية كجزء من استراتيجيتها الشاملة.
الأهمية الاقتصادية لمعهد وايزمان للعلوم
يُعتبر معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل من المؤسسات البحثية البارزة لديهم في جودة البحث العلمي والابتكار، وله أثر اقتصادي عميق ومستدام على المستويين المحلي والعالمي.
ويوضح الجدول التالي بعض أهم براءات الاختراع الناتجة من بحوث المعهد. كما يوضح المنتج وسنة إطلاقه والقيمة الاقتصادية الحالية التقديرية.

دور المعهد في نقل التكنولوجيا التجارية والصناعية
أعلن المعهد من قبل عن قدرته على الربط بين الأوساط الأكاديمية وسوق العمل تُمكّنه من تسريع وتيرة الابتكار، وتوليد دخل اقتصادي من براءات الاختراع والمنتجات المشتقة من أبحاثه؛ حيث عمل على تحويل الاكتشافات العلمية إلى منتجات تجارية ملموسة وذلك عن طريق ترخيص نتائج الأبحاث لشركات صناعية وتجارية؛ مما يُمهّد الطريق أمام تطوير الأدوية والأدوات الطبية.
كما أسهمت أبحاث معهد وايزمان في تأسيس ما يقرب من 120 شركة منذ إنشائه؛ حيث تُشكّل هذه الشركات دخلًا حيويًا للاقتصاد الإسرائيلي؛ مما يُسهم بشكل مباشر في خلق فرص عمل وزيادة الناتج المحلي.
التنمية الاقتصادية والتأثير المحلي
في عام 2022 بلغت المبيعات العالمية للمنتجات المبنية على أبحاث المعهد أكثر من 23 مليار دولار. وهذا الرقم يعكس مدى اعتماد الأسواق العالمية على الابتكارات الناتجة من المعاهد العلمية الشبيهة. ويُضخ جزء كبير من الإيرادات المتولدة عن التكنولوجيا إلى الاقتصاد المحلي؛ مما يُسهم في تمويل البحث العلمي، التعليم، والبنية التحتية. ولذلك يُعتبر معهد وايزمان ركيزة أساسية في البنية التحتية للاقتصاد في إسرائيل.
مصادر التمويل والاستدامة المالية
يحظى معهد وايزمان بميزانية تشغيلية من مصادر متعددة تشمل التمويل الحكومي الإسرائيلي، المنح البحثية الدولية، والتبرعات الخيرية. تُتيح هذه الموارد للمعهد الاستمرار في دعم الأبحاث الأساسية والتطبيقية، وتطوير البنية التحتية، وتوسيع نطاق التعاون الدولي. هذه الاستدامة المالية تُشكل عاملًا أساسيًا في تحقيق المعهد لأهدافه الاقتصادية والعلمية على المدى الطويل.
دور المعهد في مجال البيئة
رغم أن أغلب أنشطة المعهد تدور في قطاعي الأدوية والأمن السيبراني، فإن الجدول التالى يوضح دورًا نسبيًا بمجالات تصب في قطاع البيئة.


مؤسسات مصرية علمية مثيلة
ليس معهد وايزمان الوحيد الذي يقوم بالدور العلمي في المنطقة. إذ توجد في مصر الكثير من المؤسسات المثيلة وبل والمتوفقة والسابقة له، كما هو موضح بالجدول الآتي:

المكاسب الاقتصادية للمؤسسات البحثية المصرية
1. مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا (Zewail City)
المنح والتمويل: حصلت على عشرات الملايين من الجنيهات من الحكومة المصرية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى دعم تمويلي من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية (STDF).
نقل التكنولوجيا: لا تزال في بدايتها، إلا أن بعض مراكزها (مثل مركز النانو ومركز الطاقة) دخلت في شراكات مع شركات محلية؛ مما يُمهّد لتأسيس شركات ناشئة مستقبلًا.
فرص عمل: توفّر فرصًا تدريبية وبحثية لمئات الباحثين والطلبة، وتُسهم في دعم الابتكار المحلي في قطاع التكنولوجيا.
مشاريع حالية: تطوّر أجهزة طبية وألواح طاقة ومجسات دقيقة يمكن تسويقها مستقبلًا.
2. مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات
براءات اختراع مُفعّلة: أكثر من 19 براءة اختراع مسجلة، مع نحو 9 منها نُقلت فعليًا للتصنيع في شركات.
عقود شراكة صناعية: تربطها شراكات بـ1300 مصنع في المنطقة الصناعية ببرج العرب، ويُقدَّر العائد الاقتصادي غير المباشر من هذه الشراكات بملايين الجنيهات سنويًا.
منتجات مطوّرة: أسمدة ذكية، مستحضرات حيوية، مركّبات نانوية، تم بيع بعضها محليًا ودخلت السوق التجريبية.
فرص اقتصادية مستقبلية: مشاريع متقدمة في الطاقة الشمسية والذكاء الصناعي للتحكم في استهلاك المياه والطاقة.
3. الهيئة القومية للطاقة الجديدة والمتجددة (NREA)
عائد استثماري مباشر: مشروعات مثل محطة “بنبان” للطاقة الشمسية أسهمت في جذب استثمارات أجنبية مباشرة تتجاوز 2 مليار دولار.
توفير الكهرباء: تُغطي مشروعات الهيئة جزءًا من الشبكة الوطنية، وتُوفر ملايين الجنيهات سنويًا في دعم الوقود الأحفوري.
البيع للشبكة القومية: بعض المشروعات تُدرّ دخلًا مباشرًا للحكومة من خلال بيع الكهرباء المنتجة من طاقة الرياح والشمس.
4. المركز القومي لبحوث المياه (NWRC) ومعاهد المياه الجوفية والتصحر
مكاسب غير مباشرة: تحسين إدارة الموارد المائية؛ مما أسهم في تقليل الفاقد وتحسين إنتاجية الأراضي، ويُقدّر بعوائد تصل إلى مليارات الجنيهات سنويًا من الزراعة والري.
مشروعات تحسين كفاءة استخدام المياه: تطبيقات أنظمة ري ذكية موفرة للمياه في دلتا مصر والصعيد؛ مما عزّز إنتاجية الفدان وخفّض التكاليف الزراعية.
عقود استشارية دولية: تلقي بعض المعاهد عقودًا استشارية من دول عربية وأفريقية في مجال تصميم أنظمة الري وإدارة المياه.
يتضح من كل ما سبق أن المعاهد والمراكز العلمية لم تعد ترفًا أكاديميًا، بل أصبحت ركيزة استراتيجية للنمو الاقتصادي والاجتماعي. فالمعادلة أصبحت واضحة: من يملك المعرفة، يملك السوق. ومع أن معهد وايزمان قدّم نموذجًا ناجحًا في الربط بين البحث والاقتصاد، فإن المراكز البحثية في العالم العربي تمتلك بدورها الإمكانيات والبنية المؤهّلة لتكرار هذا النموذج بل وتجاوزه.