بطل من قلب اللهب.. أفريقي يخاطر بحياته لإنقاذ عائلة عالقة بحريق في باريس

في لحظات كان يمكن أن تُحتسب بالثواني، بين ألسنة اللهب والدخان الكثيف، تحوّل مهاجر شاب من أصول أفريقية إلى "بطل حقيقي"، بعدما خاطر بحياته وصعد الطوابق العلوية في مبنى سكني مشتعل بضواحي باريس، لينقذ عائلة بأكملها كانت عالقة في شقتها تحاصرها النيران من كل جانب.
صيحات الاستغاثة تغيّر كل شيء
في شارع جانبي بحي "أوبيرفيلييه" الشعبي، اشتعلت النيران مساء الجمعة في مبنى سكني مكون من خمس طوابق، وسرعان ما تصاعد الدخان وبدأت النيران تلتهم الطابق الثالث حيث كانت عائلة مكونة من أب وأم وطفلين تصرخ من الشرفة طالبة النجدة.
وفي وقت كانت فيه فرق الإطفاء لا تزال في الطريق، انطلق شاب ثلاثيني يُدعى محمد ديارا، مهاجر من مالي، نحو الجدران، وبدأ بتسلق الواجهة الخارجية للمبنى، غير مبالٍ بالخطر، مستخدمًا أنابيب المياه الحديدية والنوافذ للوصول إلى الطابق الثالث.
"لم أفكر.. سمعت الصراخ وصعدت"
يروي ديارا، الذي يعمل عامل نظافة في الحي، تفاصيل اللحظة: "كنت في طريقي من العمل عندما سمعت الصراخ ورأيت اللهب لم أفكر كثيرًا. رأيت طفلاً يلوّح بيده من الشرفة والدخان يحاصره.. لم أتمكن من التراجع".
وبشجاعة استثنائية، وصل ديارا إلى الشرفة في أقل من دقيقة، وحمل الطفل الأول ومرّره إلى أحد الجيران من الطابق السفلي، ثم عاد لإنقاذ البقية، وسط تصفيق ودهشة عشرات السكان الذين تجمّعوا في الشارع.
فرق الإطفاء تصل.. والبطولة تُوثّق
وصلت فرق الإنقاذ بعد دقائق من بدء الحريق، وتمكّنت من السيطرة على النيران، فيما نقلت العائلة للمستشفى للاطمئنان على صحتهم، وقد خرجوا جميعًا دون إصابات خطيرة.
لكن المفاجأة كانت في أن لقطات ديارا وهو يتسلق المبنى تم تصويرها من قبل الجيران، وسرعان ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ليُلقب بـ"سبايدر مان باريس" الجديد، في مشهد أعاد إلى الأذهان قصة مامودو غاساما، الشاب المالي الذي أنقذ طفلًا من السقوط من شرفة في 2018 ونال الجنسية الفرنسية بسبب بطولته.
دعوات لتكريمه رسميًا.. والحكومة تتفاعل
انهالت عبارات الشكر والثناء على محمد ديارا، وطالب الآلاف عبر منصات التواصل الاجتماعي بمنحه وسام الشجاعة وتكريمه رسميًا. وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن وزارة الداخلية تواصلت معه بالفعل، وبدأت إجراءات للنظر في منحه إقامة دائمة وربما الجنسية.
الإنسانية لا تحتاج وثائق
قصة محمد ديارا ليست مجرد حدث عابر، بل تذكير بأن البطولة لا ترتبط بالجنسية أو الوضع القانوني، بل بإنسانية الفرد وشجاعته. في زمن تتعالى فيه الأصوات ضد المهاجرين، يأتي هذا الشاب ليثبت أن من لا يملك أوراقًا قد يملك قلبًا ينقذ به أرواحًا.