كارثة صحية صامتة.. مصر تتصدر دول العالم في الولادة القيصرية بنسبة 72%

في تحذير صريح يعكس قلقًا طبيًا متزايدًا، أكد الدكتور عمرو حسن، أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية طب جامعة القاهرة، أن معدلات الولادة القيصرية في مصر وصلت إلى مستويات غير مسبوقة عالميًا، وهو ما يستدعي وقفة جادة لإعادة النظر في ثقافة الولادة وآليات اتخاذ القرار.
مصر في صدارة العالم
وحصل «نيوز رووم»، على معلومات مختلفة من الدكتور عمرو حسن، استنادًا إلى بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021، أن 72% من الولادات في مصر تُجرى بعملية قيصرية، أي أن سبع نساء من بين كل عشر يلدن بهذه الطريقة، مقابل نسبة قيصرية تبلغ 63% في المستشفيات الحكومية، وترتفع إلى 81% في القطاع الخاص.
وأضاف: "هذه الأرقام تضع مصر في المرتبة الأولى عالميًا في الولادات القيصرية، متجاوزة دولًا مثل البرازيل وجمهورية الدومينيكان، اللتين طالما تصدرتا المؤشرات في هذا الشأن".

هل كل ولادة قيصرية ضرورة طبية؟
ويطرح د. عمرو حسن تساؤلًا جوهريًا: "هل كل هذه العمليات كانت فعلًا ضرورة طبية لا مفر منها؟ أم أن آلاف النساء كنّ قادرات على الولادة الطبيعية، فقط لو حصلن على المعلومة الصحيحة، والدعم الكافي، والبيئة المهيأة؟".
وأوضح أن الولادة الطبيعية ليست فقط طريقة ولادة، بل رحلة بيولوجية متكاملة تشارك فيها الهرمونات والجسم والعقل، وتعزز من ثقة الأم بنفسها، وتمنح الطفل حماية طويلة المدى من مشكلات التنفس والمناعة.

لماذا أصبح "القيصري" هو الطريق الأسهل؟
وأشار د. حسن إلى أن الضغوط الزمنية، وسوء التثقيف الصحي، وخوف الأمهات من ألم الولادة الطبيعية، ساهمت في جعل القيصرية الخيار الأسهل، حتى وإن لم تكن الأفضل دائمًا.
وأضاف: "للأسف، هناك من يلجأن للولادة القيصرية لأسباب تنظيمية، كالرغبة في الولادة قبل الأعياد، أو مواكبة مواعيد سفر الطبيب. وهنا تصبح القيصرية قرارًا اجتماعيًا أكثر منه طبيًا".

9 خطوات تعزز فرص الولادة الطبيعية
وقدم الدكتور عمرو حسن مجموعة من التوصيات العملية للأمهات الحوامل لزيادة فرص الولادة الطبيعية، وهي كالتالي:
- اختيار طبيب داعم للولادة الطبيعية: من يؤمن بدعم نفسي وجسدي للأم.
- التثقيف المبكر: فهم علامات الولادة ومخاطر التدخل المبكر.
- ممارسة الرياضة المنتظمة: لتحسين لياقة عضلات الحوض والرحم.
- تغذية متوازنة ذكية: للتحكم في وزن الجنين وتسهيل الولادة.
- عدم استعجال الولادة: وانتظار الطلق الطبيعي دون ضغوط خارجية.
- اختيار بيئة ولادة داعمة: مثل المستشفيات المشجعة على الولادة الطبيعية.
- فهم وسائل تخفيف الألم: كالإيبيدورال والتنفس الواعي.
- تصحيح المفاهيم السلبية: بشأن "خطر" الولادة الطبيعية.
- الثقة في قدرة الجسد: فالجسم البشري مُصمم للولادة.

مقارنة دولية تثير التساؤلات
وسلط د. حسن الضوء على مقارنة هامة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغت نسبة الولادة القيصرية في أمريكا 32.1% فقط عام 2021، مقارنة بـ72% في مصر.
وأوضح: "من عام 2000 إلى 2021، زادت نسبة الولادات القيصرية في مصر بأكثر من 62 نقطة مئوية، بينما لم تزد في الولايات المتحدة سوى بـ9 نقاط، وهذا يعكس أن أسباب هذه الزيادة في مصر ليست طبية فقط، بل ترتبط بعوامل ثقافية، ومجتمعية، وإدارية أيضًا".
الأسباب العميقة وراء الظاهرة
وعدّد د. عمرو حسن عددًا من الأسباب التي تسهم في ارتفاع القيصرية بمصر، منها:
- الخوف من الألم لغياب ثقافة تسكين الولادة.
- التأثير السلبي للإعلام في تصوير الولادة الطبيعية كمشهد مخيف.
- الاعتقاد الخاطئ بأن القيصرية أكثر "أناقة" وتحكمًا بالتوقيت.
- الجدولة غير الطبية للقيصرية حسب جدول الطبيب أو الأسرة.
- ضعف تمكين الحوامل صحيًا عبر الرياضة والتغذية والمعلومات.
توصيات إصلاحية عاجلة
واقترح د. حسن مجموعة من الحلول للحد من الظاهرة:
- وضع بروتوكولات صارمة لإجراء القيصرية دون مبرر طبي.
- تعزيز التثقيف الصحي للحوامل وتوفير المعلومات منذ الشهور الأولى.
- إعادة تشكيل صورة الولادة الطبيعية في الإعلام.
- تحفيز المستشفيات على دعم الولادة الطبيعية بتجهيزات متطورة وبيئة إنسانية.
الدروس المستفادة من التجربة الأمريكية
واختتم الدكتور عمرو حسن حديثه بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة، رغم تنوع سكانها وارتفاع معدلات الحمل عالي الخطورة، استطاعت الحفاظ على استقرار نسب القيصرية بفضل سياسات واضحة تمنع إجراء القيصرية إلا بمؤشرات طبية، وتدعم برامج الولادة الطبيعية المجتمعية.