عاجل

في مشهد يتكرر مع كل حادث جلل، تتعالى أصوات الشماتة والتشفي، ويتسابق أصحاب القلوب الغليظة والعقول المعطوبة إلى إطلاق العنان لألسنتهم، فرحًا بموت هذا أو شقاء ذاك، وكأن قلوبهم عافت الرحمة، أو أن الضمير الإنساني قد دفن معهم منذ أمد.

 لم يكن موت البابا فرنسيس - بابا الفاتيكان - استثناءً من هذه الظاهرة المؤسفة، فقد خرجت بعض الأصوات على منصات التواصل، تُذكره بالسوء، وتُبرّر الشماتة في موته، والأخطر من ذلك أنها تُغلف هذه السلوكيات المشينة بثوب زائف من "الغيرة على الدين" و"الانتصار للعقيدة"، غير مدركين أنهم بذلك يضرون الدين وينزعون عنه القيمة الإنسانية.

إن الإسلام الذي نعتنقه وندعو إليه، لم يكن يومًا دين شماتة أو تشفٍّ، بل هو دين الرحمة، كما وصفه رب العالمين بقوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". والنبي صلى الله عليه وسلم، وهو القدوة والأسوة الحسنة، وقف لجنازة يهودي احترامًا لإنسانيته، فعاتبه البعض، فرد بحسم: "أليست نفسًا؟".

فكيف يجرؤ البعض اليوم على التهليل لموت إنسان، مهما اختلفنا معه في العقيدة أو التوجه؟ هل تحوّلنا إلى نماذج مشوهة من التدين، تغيب عنا القيم وتبقى القشور؟ أين نحن من وصية القرآن: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم"، وأين عقولنا من فقه المقاصد الذي يدعونا إلى إنصاف الناس ولو اختلفت مللهم؟.

البابا فرنسيس لم يكن مجرد رجل دين، بل كان رمزًا عالميًا للدعوة إلى السلام، ومناهضة الكراهية، ومناصرة القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كم من مرة ندد بالعدوان على غزة؟ وكم من مرة دعا إلى وقف نزيف الدماء في العالم الإسلامي؟ أليس من العقل والعدل أن نذكر هذه المواقف، بدلًا من أن نغرق في مستنقع الشماتة الذي لا يليق إلا بأصحاب الفكر المتطرف.

إن شماتة البعض في موت البابا ليست إلا انعكاسًا لانحراف بوصلة القيم، وابتعاد عن روح الدين، وتماهيًا مع خطاب الكراهية الذي يحاول أن ينخر في أوصال أمتنا من الداخل، تحت نير شعارات زائفة لا تمت للإسلام بصلة.

إننا إذ نحذر من هذا الانزلاق الخطير فإننا ندعو إلى تجديد الفهم، وتصحيح المسار، والرجوع إلى سماحة الدين وجوهره، فالدعوة لا تكون بالحقد، ولا يُنتصر للدين بالغلظة، وإنما بالعدل، والحكمة، والموعظة الحسنة.

حفظ الله بلادنا وشبابنا من كل سوء.

تم نسخ الرابط